ما ذا ينفص من قدركم إن قلتم بزعامة احمدو بن حرمه بابانا
في يوم من الأيام ذهبت صحبة إخوة لي بزيارة للعلامة الزاهد محنض باب علما في قريته المعروفة ب الدوشليه.
ولما وصلناه وجدناه محاطا بتلامذته في درس من الدروس.
بعدما سلمنا عليه سأل كلا منا عن إسمه، وسألنا عن دوافع الزيارة؟ فأجبناه على سؤاله ثم بعد ذلك بدء يتبادل معنا الأحاديث الممتعة المفيدة ثم تطرق للحديث عن أحمدو بن حرمه ابن ببانا وأثنى عليه، وقال فيه : جزاه الله خيرا عن أهل المنطقة فهو من رفع عنهم الإتاوات التي فرضها عليهم المستعمر والتي كانت شاقة عليهم.
ومما يشير إلى زعامة الزعيم أحمدو ولد حرمة ما حكاه غابرييل فيرال مؤلف كتاب طبول الرمال والذي عرف موريتانيا في الحقبة الاستعمارية خلال محاضرة له حيث قال إن: الزعيم أحمدو ابن حرمه ذات مرة كان قادما من السنغال في سيارة ولما وصل إلى روصو وجد إمرأة تحمل رضيعا بين يديها وتريد صحبتهم في تلك السيارة. فما كان من أحمدو رضي الله عنه إلا أن إلتفت إلى الفرنسي وقال له بأن يركب في مؤخرة السيارة (الشاحنة) و أجلس المرأة مكانه في مقدمتها التي طافت به جميع المجمعات.
يقول فيرال : أظن أنه تعمد مرورها على كل التجمعات حتى يشاهدني السكان راكبا في مؤخرة الشاحنة ليحط من قدرنا في أعينهم.
و كان ذلك المشهد أعظم ما يمكن أن يهان به فرنسي في تلك الحقبة.
وسمعت من أحد الثقات أنه حدثه رجل من جناة الصمغ العربي أن دورية أوقفتهم قرب الضفة و هم عائدون من “دكانا” : *مدينة سنغالية كانت في تلك الفترة سوقا للتبادل التجاري* بعدما استبدلوا بضاعتهم بمؤن غذائية.
فكان على رأس الدورية عسكري فرنسي يأخذ ضريبة على أصحاب تلك المهنة.
يقول الرجل بينما هم محصورون تحت حر الشمس في يوم صيفي إذ مر بهم أحمدو رضي الله عنه الذي رآهم وقد ظهر عليهم أثر الأرق فسألهم عن أمرهم، فأخبروه به، فما كان منه إلا أن زجر الفرنسي و أمره بإطلاق سراحهم، فنفذ الفرنسي امر الزعيم دون تردد و هو يتذلل.
وهذا قليل من كثير، يعتبر فاعله في نظر من عايش تلك الحقبة زعيما؛ نعم لأنه كذلك.
هنا أقول لمن يرى من نفسه مؤرخا أو نصب نفسه شاهدا عايش كل العصور :
إن الزعيم أحمدو ابن حرمه رضي الله عنه ما كان ليضره حسد حاسد و لا إنكار منكر فهو زعيم حاز كل صفات الزعامة و يجب الصمت عنه فهو إن شاء الله تبارك وتعالى في مقعد صدق مع الذين سبقت لهم من الله الحسنى.