أي إصلاح تربوي يمكن إنجازه لفائدة موريتانيا في المنظور القريب ؟ بقلم : د.محمد الراظي بن صدفن

الأحد  21 نفمبر2021  ( الهدهد. م.ص)

لا يخفى علينا جميعا أن الهدف الرئيسى من أي إصلاح للمنظومة التربوية هو بدون شك السعي الى تحديث مناهجها و محتوياتها لتتلاءم مع متطلبات أي دولة بعد الإعتراف بذلك و تحديد أوجه الخلل من أجل تحسينها أو تصحيحها .
و عملية الإصلاح تلك التي تتم في الغالب بدوافع سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو هما معا يجب أن تأخذ بعين الإعتبار التشريعات الخاصة بكل دولة ، و نظرا لأهميتها في وضع مستقبل الأجيال لابد أن تكون تدريجية و توافقية .
في هذا السياق ، فقد عرفت الدولة الموريتانية منذ الإستقلال الى اليوم جملة من الإصلاحات التربوية بدءا بإصلاح ١٩٦٧ و ١٩٧٣ مرورا بإصلاح ١٩٧٩ و إنتهاءا بإصلاح ١٩٩٩ م .
و قد أكدت كل هذه الإصلاحات على ضرورة زيادة المنشآت التربوية بواسطة بناء و تشييد المدارس و إقامة مؤسسات التكوين ، و تفعيل الرقابة و التأطير التربوي على مختلف مستويات التعليم إضافة لدعم القدرات فى مجال الحكامة و المقاربات البيداغوجية الملائمة للرفع من الآداء و إمتلاك ناصية التكنولوجيا و التقنيات الجديدة للإعلام و الإتصال و تحسين أوضاع المعلمين و جعلهم في الظروف المناسبة التي تمكنهم من آداء رسالتهم على الوجه الأكمل .
و على الرغم من أن هذه الإصلاحات التي جاءت مكملة لبعضها البعض حظيت بإجماع غالبية الموريتانيين و صرف عليها الكثير من موارد الدولة ، فإنها للأسف الشديد لم تعط النتائج المرجوة منها و خاصة بالنسبة لإصلاح ١٩٩٩ ، نظرا للإختلالات الواضحة التي شابت تنفيذه .
و هذه الإختلالات نجملها في ما يلي:
أولا: عدم إتخاذ إجراءات مصاحبة من أجل التأكد من سلامة تنفيذ الإصلاح .
ثانيا : غياب شبه تام للمتابعة و التقييم خلال المرحلة التجريبية للإصلاح .
ثالثا: عدم إنخراط أساتذة الشعب العلمية بما فيه الكافية للتعاطي مع روح و أهداف هذا الإصلاح ، رغم كونهم هم الفاعلون الرئيسيون فيه .
رابعا: غياب نظام للتخطيط واضح المعالم  متفق عليه خلال الفترة التي استغرقها تطبيق توصيات الإصلاح .
خامسا : ضعف إستيعاب المعلمين و المدرسين في مختلف مستويات التعليم الأساسي و الثانوي لمقاربة الكفايات مما حال دون تطبيقها على الوجه الأكمل.

سادسا : النقص الحاد في الكفاءات الضرورية لتدريس اللغة الفرنسية الذي حال دون تحقيق هدف الإزدواجية المعلنة كشعار لهذا الإصلاح الخاص بإقامة نظام تربوي موحد .
سابعا : وجود مشاكل تتعلق بالحكامة و القيادة لم يتم التغلب عليها بالصفة المطلوبة .
ثامنا : عدم تجهيز المختبرات في المؤسسات التربوية بالأدوات الفنية اللازمة و غياب تدريس المعلوماتيه الذي كان مقررا .
إذن بسبب هذا الوضع جاءت نتائج هذا الإصلاح دون التوقعات و مخيبة للآمال .
ذلك أن المخرجات الناجمة عنه أظهرت بصفة عامة تدني كبير في المستويات و طرحت بشكل غير مسبوق إشكالية ما بات يعرف بالحواجز اللغوية .
و قد بدى ذلك جليا من خلال فحص القدرات اللغوية للتلاميذ الحاصلين على الباكالوريا الذين التحقوا بمؤسسات التعليم العالي خلال العقدين الماضيين ، حيث تأكد أنهم بحاجة ماسة الى تقوية مركزة في اللغتين الفرنسية و العربية على حد سواء و يفتقرون الى الرصيد المعرفي اللازم للتدرج في كسب المعارف و المهارات المطلوبة .
لهذه الإعتبارات و غيرها نرجو أن يستفيد الإصلاح الجديد ، التي تعكف الحكومة حاليا على توسيع التشاور حوله مع كل الفاعلين المعنيين ، من أخطاء التجارب الماضية و التركيز على القضايا الجوهرية ذات الأولوية و التي يمكن إنجازها في المنظور القريب تمشيا مع تعهدات رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني ومراعاة للثوابت الوطنية المتعلقة بوحدة البلاد و تنميتها .
في هذا الصدد فإننا نتقدم بالملاحظات و التوصيات التالية:
أولا :
إن إصلاح ١٩٩٩ جاء لتصحيح أخطاء إصلاح ١٩٧٩ من خلال إرساء نظام تربوي يكرس ازدواجية في اللغتين العربية و الفرنسية يضمن تعميم التعريب وولوج الدارسين في مجال العلوم الدقيقة الى إعتماد إحدى اللغات المتقدمة و المنفتحة على البحث العلمي.
و هو ليس سيئا بالمطلق ، و لكن المشكلة تكمن في عدم تطبيقه على الوجه الذي أريد له .
ثانيا : الشروع الفوري في تأهيل و دعم قدرات الطاقم التربوي و التعليمي لأن حوالي ٩٤٪؜ من مدرسي التعليم القاعدي غير مؤهلين للتدريس إطلاقا. و يجب إخضاع الجميع لعملية تقييم تربوية شاملة ؛
ثالثا: الإسراع بوتيرة إنجاز البنى التحتية التي تم إقرارها ضمن البرنامج الإنتخابي لرئيس الجمهورية .
رابعا: وضع حد لكل أشكال التأثير التي تأدي إلى فوضويتها ؛
خامسا : وضع آليات جديدة للتدريب و التكوين و تحسين الخبرات يمكن أن تستفيد منها كافة الطواقم التربوية و الإدارية ؛
سادسا : إنشاء كلية جديدة للتربية بهدف توفير الكادر البشري المؤهل للقيام بمهمة التدريس و تلبية حاجيات وزارة التهذيب و الإصلاح في مجال الإكتتاب ؛
سابعا : تقنين العلاقة مع التعليم الخصوصي و تحديد شروط و دفتر الإلتزامات بالنسبة للمؤسسات التربوية العاملة في هذا المجال ، بعد القيام بتقييم أدائها و تصنيفها ؛
ثامنا : تحسين الظروف المادية للمعلمين عبر زيادة معتبرة في رواتبهم ؛
تاسعا : تطبيق حكامة صارمة و فاعلة من خلال التسيير المحكم للموارد البشرية و اللوجستيكية و المالية ؛
عاشرا : تعميم الكفالات المدرسية على امتداد التراب الوطني و فرض الزي الموحد للتلاميذ و العمل من جديد بنظام الحضانة عبر إعاشة التلاميذ و إسكانهم ، و يمكن القيام بهذه التجربة في مؤسسات تربوية نموذجية و تعميمها لاحقا ؛
إحدى عشر : إعتماد سنة لغة بالنسبة لحملة شهادات الباكالوريا الراغبين في ذلك .
أما فيما يتعلق باللغات الوطنية على الرغم من أن القانون ٠٩٩-٠١٢ الصادر بتاريخ ٢٦ ابريل ١٩٩٩م قد أسند ترقيتها إلى قسم اللغات الوطنية بكلية الآداب (جامعة النواكشوط) و الذي تم تأسيسه لهذا الغرض فإن ذلك الهدف لم يتحقق نتيجة لمعوقات كثيرة في مقدمتها :
⁃ الإقبال الضعيف للطلبة على هذه الشعبة
⁃ محدودية الموارد المخصصة لها
⁃ نقص في الطاقم التأطيري
⁃ توقف البحوث حول الأبعاد اللسانية لهذه اللغات و طرق كتابتها .
في هذا الإطار و من أجل الإسهام في حل هذا المشكل فإننا نتقدم بالمقترحات التالية :
⁃ البدء أولا بترسيم اللغة البولارية الأكثر استخداما من الناحية الديموغرافية بعد “اللغة العربية ” و إدماج تدريسها في المقررات الدراسية على مستوى التعليم ما قبل المدرسي و الأساسي و إنشاء مراكز ثقافية لترقية بقية اللغات الأخرى
⁃ جعل معيار معرفة اللغات الوطنية عاملا مرجحا في الولوج الى الوظائف العليا في الدولة ، و في التزكية للترشح للمناصب الإنتخابية و في المسابقات الوطنية ؛
⁃ تحويل قسم اللغات الوطنية بجامعة انواكشوط إلى مختبر علمي للدراسات و البحوث في اللغات الوطنية و مده بالوسائل الضرورية لتأدية مهامه على الوجه الأكمل .
و رغم قناعتنا الراسخة بأن اللغة العربية هي لغة البلاد الرسمية الوحيدة القادرة على توحيدها لإعتبارات عديدة دينية و مذهبية ، فإن الإنفتاح على اللغات العالمية الأخرى هو ضرورة تمليها متطلبات البلاد التنموية و مصالحها الإستيراتيجية و الحيوية .
ذلك أن أي إصلاح للمنظومة التربوية لا يمكن أن يقتصر فقط على الجوانب المهنية في التكوين بل إكتساب المزيد من التحصيل المعرفي و المهارات العلمية من خلال استخدام العديد من اللغات مثل ( الإنقليزية و الفرنسية و الصينية و الألمانية … و غيرها )
و يبقى نجاح الإصلاح الجديد مرهون بمدى تناغمه مع المشروع المجتمعي لرئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الذي يرى أن التركيز على التعليم هو عماد تحقيق التنمية و السبيل الوحيد للإرتقاء الإقتصادى و الإجتماعى و ضمانة لتحصين الفرد و المجتمع من آفة الجهل و الفقر و من نزاعات التطرف و الانغلاق .
فهل نغتنم هذه الفرصة قبل فوات الأوان ؟

مقالات ذات صلة