الترجمة الأولى : شذرات من حياة بعض أعلام موريتانيا…/ د. أحمدو ولد آكاه

 

نواكشوط 09 فبراير 2021 ( الهدهد. م. ص)

الشيخ محمد اليِدَّالي

نسبه: هو “محمد بن المختار بن محمد سعيد بن المختار بن عمر بن علي بن يحيى ابن يداج أكذبرغه”، خامس رجال تشمشه ويعرف علما بمحمد اليدالي أو الولي اليدالي.
أمه: امبيكله بنت سيدي الأمين بن بارك الله بن يعقوب بن ديمان بن يعقوب ابن موسى بن مهنض امغر أحد رجالات تشمشه.
مولده ونشأته:
ولد “اليدالي” سنة 1096هـ شرقي بئر “تندكسمي” في ولاية الترارزة، تربى في أحضان والديه، لكن والده توفي عنه وهو لا يزال صبيا؛ فنشأ يتيما، تعلم القرآن على شيخه “ألفغ عبد الله بن اعمر يزيكئذ التونكلي”.
دراسته وشيوخه:
أخذ “اليدالي” العلم عن أشياخ كثيرين مشهورين في البلد منهم:
– ألفغ مينحن: وهو أبرز شيوخه في العلم، وقد أعرب عن إعجابه بهذا الشيخ، فقال: “إنه ما ذاق حلاوة الوالديه بعد والديه إلا منه”، وقد ختم عليه القرآن مرارا.
– أحمذو بن الفقيه المختار بابو اليدالي.
– المختار بن ألفغ موسى اليعقوبي الموسوي: وكان فقيها يفترض أن اليدالي أخذ عنه الفقه.
– محمد بن محمد بن محمد القاضي الشنقيطي.
– نختارو بن المصطفى بن محمد سعيد اليدالي: وهو ابن عمه وقد أخذ عنه الطريقة الشاذلية الناصرية .
– محمد الكريم بن الفاضل بن الكوري.
– عبد الله بن محمدن بن عمر اليدمسي.
– الطالب اجود الحاجي .
والحقيقة أن “اليدالي” رجل عصامي علم نفسه بنفسه حتى إنه قرأ كتب الدنيا ما عدا اثنين، كما يقول في معرض حديثه عن كتابه “الذهب الإبريز على كتاب الله العزيز” .
فضله وتصوفه:
ذكرنا فيما سلف أن “اليدالي” أخذ الطريقة الشاذلية عن ابن عمه “نختارو بن المصطفى”، فكان اليدالي “عالما ثبتا لينا عارفا بالله تعالى صوفيا مطبوعا على العمل والتأليف… رفيقا بالخلق كثير العفو عنهم شديد المحبة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ… محبا للخمول… مفتوحا عليه في الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والقرآن العظيم، فيقرأ دلائل الخيرات نحو سبعين مرة في أسرع وقت، ويختم القرآن في ركعتين” .
ويدل هذا على فضله وارتباطه الروحي بأحد الشلذليين المشهورين ألا وهو “الجزولي”، ونذكر هنا ارتباطا روحيا بينه مع “سيدي أحمد الحبيب السجلماسي” حيث رآه ذات ليلة في النوم “والناس في سنة قحط… فقال له: غدا ناد في المسجد الصدقة، وما جمعته يأتيكم مسكين راكبا على جمل فتصدقوا عليه يأتكم المطر، ويقض لكم الوطر فلما انتبه من الغد نادى بالصدقة، ولم يكن ينادي بها من قبل، فقيل له: ما هذا؟ فقال: ما تصدقتم به اليوم يأتيكم مسكين راكب على جمل فيعطى ويذهب عنكم القحط بسببه ـ إن شاء الله ـ فكان ما أخبرهم به” .
وقد وصفه المترجمون له بعبارات الإجلال والاحترام فهو يعرف لدى الناس بالولي اليدالي، قال عنه صاحب الوسيط إنه “أحد العلماء الأعلام والغطارفة الكرام وأحد الأربعة الذين لم يبلغ مبلغهم أحد في العلم في ذلك القطر يعني بلاد شنقيط كان مشهورا بالفهم والحفظ والصلاح…”
وللشيخ “اليدالي” كرامات كثيرة ذكر النابغة القلاوي العديد منها في كتابه: “النجم الثاقب في بعض ما لليدالي من المناقب”، وقد نشره الأستاذ محمذن ولد باباه كملحق لتأليفه حول: “النابغة القلاوي: حياته وآثاره العلمية”.
ويمكن أن نصنف هذه الكرامات حسب المواضيع التالية:
– العلم الوهبي: ومن ذلك أنه “أتى يوما بلوحه إلى بعض الأشياخ وابتدأ عليه البيان فقرأه عليه في يومين، ثم غاب عن مجلس الشيخ أياما ولم يرجع، ثم بعد أيام جاء تأليف إلى الشيخ في البيان، فقال: لمن هذا؟ فقيل له: ألفه “محمد اليدالي”. 3
– إنقاذه من المخاوف: ومن هذا النمط أنه “كان يوما ماشيا مع بعض الناس فإذا بكلب عقور وثب عليهم، فأشار إليه “محمد اليدالي” بسبابته فزهقت روحه من حينه، فقال: من لم يكن له علم مثل هذا فليدار الناس”.
– طي الأرض: فقد “كان هو ورفقته يوما في طلب المرعى بعيدا عن المياه والعمارة فعطشوا عطشا شديدا حتى قاربوا الهلاك جميعهم، فخرج عنهم الولي ساعة فبينما هم في شدة العطش إذ جاءهم بأربعة قرب مملوءة ماء، فقالوا له: من أين أتيت بهذا الماء، فقال: أعطانيه فلان الديماني عند بئر “الديخن” في وسط “إيكيدي”، فكان ذلك مسيرة نصف شهر ثم صب الماء ورد القرب لأهلها في حينه”.
ومن أراد الاستزادة من خوارق العادات والكرامات التي وقعت لليدالي فليرجع إلى “النجم الثاقب” الذي أشرنا إليه في إحالات سابقة.
ونشير إلى أن اليدالي – حسب رأي الأستاذ محمذن ولد باباه – قد وضع أسسا متينة للنهضة العلمية في أرض “القبلة” بتعليمه ومصنفاته الجزيلة المتنوعة، ومارس حياة تصوف تغمرها الروحانية إلا أنه متصوف فقيه متحكم في نفسه، يحتكم إلى السنة، يرفض الزهد والاتكالية، ويعاف الاعتكاف، وينبذ الشعوذة، فهو رجل الدنيا والآخرة، وهو الإنسان الكامل بشطريه: الناسوتي واللاهوتي ولم يطغ أحدهما على الآخر، عاش رجلا معتدلا متفاعلا مع وسطه آخذا بأسباب الحياة حلوها ومرها، ناظر العلماء فأفحمهم، وجابه الأمراء فاستسلموا له، وتجشم أهوال البحر حتى نزل بمركز الهولنديين التجاري المقام على شاطئ المحيط في “أكادير دوم” فأكرموه وبجلوه وقدموا له الهدايا السنية”.
تلامذته:
درس غير واحد على الشيخ اليدالي؛ فلذلك كان تلامذته كثرا إلا أن أبرزهم اثنان هما:
– محمد والد بن المصطفى بن خالنا الأبهمي ت 1212هـ : وهو عالم جليل لقبه تلامذته بالوالد لكثرة تفضله عليهم بعلمه وماله .
– ألما بن المصطفى بن محمد سعيد: وهو ابن عم الشيخ ويعرف بـ “ألما الشاعر” و”ألما العربي”، لأنه كان يقرض الشعر سليقة، وقد دافع عن “اليدالي” ضد خصومه .
مؤلفاته وآثاره:
يعتبر “اليدالي” “رائد حركة تدوين العلوم الإسلامية والعربية في منطقة “القبلة” بمنحاه الموسوعي ومنهجه التعليمي وعقله الواسع … وقد جمع في تأليفه بين أبعاد العقيدة الأشعرية، وظاهر الفقه، والتصوف، مع نوع من التميز إن لم نقل التجديد بل الاجتهاد” .
وقد خلف “اليدالي” مؤلفات شملت شتى فروع المعرفة، ولعل من أهمها:
في علوم القرآن:
– الذهب الإبريز في تفسير كتاب الله العزيز.
– دعاء ختم القرآن.
– اختصاره: مورد الظمآن في رسم القرآن، وهو نظم يوجد في: م.م.ب.ع. تحت رقم: 2073.
في التوحيد:
– قواعد العقائد مقدمة التوحيد ، وتوجد في م.م.ب.ع تحت رقم: 2125
– فرائد الفوائد في شرح قواعد العقائد.
– نظم السبعة المطالب.
– تأليف في أسماء الله الحسنى وخواصها.
في التصوف:
– خاتمة في التصوف وسنقوم بتحقيق نصها، وذلك في الباب الثالث من هذا البحث بحول الله بوصفها نموذجا من أهم النصوص الصوفية الشاذلية في البلاد الشنقيطية.
– شرح خاتمة التصوف.
– إكسير الحياة: في الأعمال الصالحة.
في السيرة والتاريخ :
– شيم الزوايا

– مغازي ناصر الدين أو “أمر الولي ناصر الدين” بسط فيه الحديث عن حرب شربب التي دارت بين الزوايا وحسان في أواخر القرن الحادي عشر.
– نصيحة تشمشه.
وقد حقق الأستاذ “محمذن ولد باباه” هذه النصوص الثلاثة السابقة الذكر تحت عنوان: “الشيخ محمد اليدالي، نصوص من التاريخ الموريتاني: شيم الزوايا – أمر الولي ناصر الدين – رسالة النصيحة” وطبعت في بيت الحكمة – قرطاج 1990م .
– أسماء أهل بدر.
– الحلة السيرا في أنساب خير الورى.
– شرح لرسائل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام.
في الفقه:
– تأليف في الميسم الأفعى اللفع : عالج فيه قضية الملكية الفكرية لأول مرة فيما نعلم .
– تأليف في الفقه على نمط مختصر الشيخ خليل مفقود
– رسالة الجيم أيد بها ابن أيد الامين في رسالته حول ترجيح الجيم المتفشية.
– فتاوي فقهية تبلغ خمسة فتاوى مثل:
• فتوى نقض بها فتوى ابن أيد الأمين حول سقوط الشرط بالنشوز.
• فتوى الضمان: ضمان ما أكلت المواشي.
• فتوى زكاة الخلطة.
• فتوى تسريح الصبيان أي عطلهم الأسبوعية.
• فتوى السماع الصوفي: رد فيها على المتصوفة الذين يستمعون للغناء بالمزامير والتواجد الذي يصيبهم في ذلك.
وقد حقق الطالب: “البو بن محمد سهله” هذه الفتاوي في رسالة تخرجه من م.ع.د.ب.إ سنة 2006-2007. تحت رقم: 1747.
في اللغة والأدب :
– الفرق بين اسم الجنس واسم الجمع.
– كتاب في البلاغة يوجد في مكتبة المرحوم “محمد فال بن البناني الفاضلي”.
– ديوان شعر محقق يزيد على 1500 بيت، حققه د. الأمير ولد آكاه مرقون وهو ثاني ديوان شعري تشهده البلاد بعد ديوان الشاعر “ابن رازكه العلوي” وأبرز قصائده “صلاة ربي” المديحية التي أفردها بشرح مستفيض سماه “المربي على صلاة ربي”.
في الحساب:
– مذكرة في الحساب، توجد بمكتبة المرحوم المختار ولد حامد.
وفاته :
توفي اليدالي ـ رحمه الله تعالى ـ سنة 1166هـ عن سبعين سنة، ودفن بمقبرة “انتأفكت” في ولاية الترارزة .

* يتواصل*

مقالات ذات صلة