رأي : ما الذي أكدته الانتخابات الامريكية.؟ / صلاح المختار

اعلان فوز جو بايدن في الانتخابات تم عبر الاعلام وليس من قبل الجهة الرسمية المختصة، وهذا اول سبب لخلق الارباكات الحالية فالاعلام ناصب ترامب العداء الشرس قبل توليه الرئاسة وعمل بقوة وعلنية على افشاله،ومن جهته يصر ترامب على اعتبار نفسه الفائز ويقدم ادلته الى المحكمة الاتحادية العليا للبت في الامر ، وبناء عليه فان ما سنطرحه مشروط بفوز بايدن رسميا رغم ان ذلك محاط بالغاز كبيرة تكبر يوميا:
1-بعد فترة لن تكون طويلة سوف يقوم بايدن بتفعيل الاتصالات مع طهران حول الاتفاقية النووية مع فرض شروط جديدة على طهران لضمان منعها من امتلاك سلاح نووي وصواريخ بعيدة المدى اضافة للحد من توسعها الاقليمي الذي ترى امريكا بحمارها وفيلها انها تجاوزت السكتين الامريكتين المحددتان لها .وهذا التطور المقترن بتخفيف الضغوط عليها سوف يمنح اسرائيل الشرقية فرصة واسعة بل وخطيرة للتنفس واعادة بناء ما خسرته من قوة وامكانيات وهو ما سيشكل تهديدا مضافا للعرب كلهم، وتلك عودة لنقطة البداية!
2- السعودية والامارات ستواجهان مشكلة (عداء) بايدن لهما، وان كان ليس بالصورة المرسومة له الان ، فقد وعد بفرض حظر على بيع السلاح للسعودية ، ووقوفه ضد التحالف العربي وضغطه عليه للتوقف عن المساهمة في حرب اليمن وهو موقف ليس هدفه الحقيقي انقاذ اليمن بل اكمال تدميره من خلال اعادة كارثة اليمن الى مربعها الاول، وهو ممارسة لنفس تكتيك سرقة الوقت لاجل مواصلة قضم العرب ماديا ونفسيا وسياسيا عبر الهاءهم بالتفاوض والحوارات التي تفشل دائما في الوصول الى اتفاق حقيقي، فتوقعهم في فخ انتظار نتيجة فعلية للتفاوض والوساطات وهو انتظار جودو الذي من المستحيل ان يأتي! وبتأثير امريكا مارست الامم المتحدة دورا داعما للحوثيين غالبا وهو ما منع انهاء الحرب. وهذا التبدل في الموقف الامريكي يؤكد احد اهم الدورس البالغة الاهمية والتي على كل من يتعامل معها ان يتذكرها اذا اراد النجاة من فخاخها المميتة وهو ان الاعتماد على امريكا في التسليح والدعم السياسي، انتحار ، اذ يكفي ايقاف قطع الغيار ومنع اصلاح المعدات العسكرية كي تصبح خردة فتضيع مليارات الدولارات التي دفعت لشراء السلاح الامريكي.
ان التغييرات في المواقف الامريكية هي جزء من خططها والتي تبدو كأنها نتاج نظام ديمقراطي تعتمد فيه المواقف على من يفوز في الانتخابات ولكن الغطاء الديمقراطي هذ سرعان ما يسقط عندما نتذكر ان الاتفاقيات التجارية المدفوعة الثمن ،ومنها العسكرية، تحافظ على شرعيتها مهما تبدلت الحكومات، وهذه احدى قواعد التعامل الدولية ، ولكن امريكا وعلى النقيض من كل القوانين وممارسات الامم تربط كل الاشياء بتغير الادارة العليا وهو ما يسمح لها بممارسة ابتزاز خطير تجاه من تبيعه رغم لاقانونيته .وما تعهد بايدن بأيقاف التعاون العسكري مع السعودية الا عملية وسرقة اموال الاخرين تحت غطاء ديمقراطي زائف.
ولكن هذا الامر لن يتم بهذه البساطة كما كان قبل بداية تدهور امريكا وتراجعها المعروف وصعود الصين وروسيا والاتحاد الاوربي فعالمنا تغير كثيرا وامريكا لم تعد تستطيع احتكار السلاح بعد تفوق روسيا عليها بسلاحها وكذلك الصين، وكلاهما لايحدهما شيء عندما يتعلق الامر ببيع السلاح لانه مصدر دعم هائل لاقتصادهما الذي يخوض صراعا وجوديا مع الاقتصاد الامريكي وكلما زاد البيع تعزز موقف الصين وروسيا تجاه امريكا واضعفها فيقل التخريب الامريكي لاقتصادهما، وهو ما عرفته السعودية ودول خليجية اخرى اثناء ادارة اوباما المعادي للعرب والداعم للفرس علنا فقامت السعودية والامارات والكويت بخطوة صحيحة بعقد اتفاقيات ستراتجية مع الصين وروسيا. ويمكن للسعودية اذا نفذ بايدن تهديداته ان تقوم فورا باللجوء الى الصين وروسيا والاتحاد الاوربي لحل مشكلة التسلح وغيرها، اضافة الى انها بحاجة لانشاء صناعة سلاح وطنية تقلص الاعتماد على الغير تدريجيا، وعندها سوف تنحصر خسارة السعودية في قيمة الاسلحة التي اشترتها من امريكا ولم تعد قابلة للاستخدام وهذه مشكلة يمكن حلها لان العالم فيه شركات خاصة مستعدة لاصلاح الاسلحة وتوفير عتادها، ودور هذه الشركات يزداد اهمية بما فيها شركات امريكية.
3-كما ستواجه دول الخليج العربي تعمق الكره الايراني لها بسبب وعود ترامب الكاذبة بحمايتها مقابل المال، وذلك شجعها على التخلي عن الكثير من تحفظاتها على الرد بقوة على التهديدات الايرانية العدوانية وتبنت مواقف تدعو ما يسمى ( المجتمع الدولي) الى المزيد من التقييد لاسرائيل الشرقية ، وهو ما جعل نزعة الثأر الايرانية من دول الخليج العربي تتقوى بشدة، وان كان ذلك سيتم اولا مخفيا بغلالة من دعوات لقلب صفحة الماضي لان طهران تعرف ان علاقاتها بامريكا لن تصبح خالية من المشاكل مادامت تحافظ على مشروعها النووي والصاروخي وتوسعها الاقليمي لانهما خارج التخويل الامريكي لها، ومن جهة ثانية ستعزز دعمها لنغولها العرب في دول الخليج العربي كي يزدادوا تأمرا وعداء .
4-يبقى وجه اخر لتعقيدات الوضع وهو ان الاقطار العربية التي التحقت بمسيرة الاعتراف باسرائيل الغربية ثم التطبيع معها سوف تواجه حالة اذلال متعمدة من امريكا واسرائيل الغربية فهي فقدت ما كان لها من دعم جماهيري عربي قوي دفاعا عن عروبة دول الخليج العربي رغم وجود خلافات عميقة مع نظمها ، وحصرا لصد الخطر الايراني، وبنفس الوقت فقدت من راهنت على حمايته لها وكانت تلك مجرد خديعة انكشفت بعد ان قبض ترامب التريليون دولار منها !
5- اما عن العراق فالمعروف عن بايدن انه احد اهم من طالبوا بتقسيم العراق الى ثلاثة دويلات وهو المشروع الصهيوني الامريكي الثابت، والذي تم غزو العراق وتدميره من اجل تنفيذه، لذلك فان بايدن سيقوم بالاستفادة من كل ما حققته التمهيدات السابقة التي قامت بها ادارات بوش الصغير،خصوصا تدمير الدولة ومؤسساتها لتمهيد الطريق لسيطرة الميليشيات الايرانية ،وادارة اوباما التي نفذت خطة تفكيك منظومة قيم المجتمع في البيئة التي خلقها بوش وهي جعل المواطن العراقي يتنفس الجوع والمرض والموت في كل لحظة وتلك هي البيئة المطلوبة لتفكيك منظومة القيم العليا التي حكمت العراقيين الاف السنين ودفع اكبر عدد ممكن منهم للغطس في مستنقعات الفساد والجريمة والردة عن قيمهم وتقاليدهم وقبول اي وضع ومهما كان ملوثا من اجل ان يحصلوا مع اطفالهم على لقمة تبعد عنهم الموت جوعا. اما ترامب فقد جاء ليعيد ترتيب الوضع في العراق مستثمرا كل الكوارث التي صنعتها اسرائيل الشرقية بالاقتصاد والمجتمع والقيم،وهو وضع حشد الاغلبية الساحقة من العرقيين ضدها بقوة، واصبح الهدف الاقوى للعراقي هو طردها من العراق للتخلص من الموت والبؤس والكوارث غير المسبوقة ، فقام ترامب بتنفيذ خطة استعادة العراق من اسرائيل الشرقية رغم ان امريكا في عهد اوباما هي من سلمت العراق لها وقبلها بوش كان من ادخلها للعراق ودعم ميليشياتها لتفرض سيطرتها على العراق،ولكن وبعد ان اكملت الدور الرئيس لها وهو تدمير العراق دولة واقتصادا وتخريب الكثير من النفوس اصبح ضروريا تحميلها مسوؤلية كل الكوارث التي حلت بالعراق وتبرئة امريكا منها بل والنظر اليها على انها المنقذ من اسرائيل الشرقية رغم ان الجميع يعرفون بان الاخيرة لم تسيطر على العراق الا بقرار امريكي وبدعم امريكي مباشرين ورسميين !
مهمة ترامب ومثل اي رئيس امريكي اخر هي تنفيذ خطة وضعت قبله وعليه التقيد بالخطوط الاساسية لها، وترامب قيد ولو قليلا الميلشيات وكانت عملية تصفية قاسم سليماني وابو مهدي المهندس هي اشارة البدء لاعادتها الى ما بين السكتين فزادت العقوبات وحشد جمع هائل من العراقيين خلف هدف طرد اسرائيل الشرقية من العراق وتجريد نغولها فيه من السلاح ، فانهارت معنوياتهم وعرفوا ان لعبتهم في العراق اصبحت مقيدة بلعبة اكبر واهم منها وهي لعبة امريكا، فتوفرت البيئة الضرورية لقدوم رئيس يقطف ثمار كل ما زرعه بوش واوباما وترامب ويضع العراق على مسار الاستغلال الرأسمالي الامريكي وذلك هدف يتطلب فرض الاستقرار بعد كل ذلك الخراب الشامل ماديا ونفسيا ، خصوصا وان المقاومة العراقية وكانت التهديد الاعظم للغزو الامريكي قد اضعفت واستنزفت باطلاق القاعدة وداعش والحشد الشعوبي وهي خطة امريكية بالاساس وهو ما اعترفت به منفدة (الربيع العربي) هيلاري كلنتون رسميا اضافة لتوفر عشرات الادلة على ذلك. كما ان الضربات الموجعة للقوى الوطنية قيدتها ولو لفترة في اجواء نفسية معقدة تسمح بانتهاز امريكا للفرصة التاريخية لاقامة نظام مستقر يقسم فيه العراق عمليا الى ثلاثة دول ولكن في البداية يتم ذلك تحت غطاء الاقاليم او الفدرالية، وتلك مجرد مرحلة انتقالية ستعقبها حتما عملية تقسيم العراق ما لم تنجح القوى الوطنية في احباط ذلك الهدف الخطير الثابت في ستراتيجية امريكا والصهيونية هو تقسيم العراق. وهذه الحقيقة تؤكد بان من يمهد لدعم بايدن بقوله ان بايدن تخلى عن مشروع تقسيم العراق انما يعبر اما عن جهل تام بقواعد السياسية الامريكية وهي سياسة النخبة المسيطرة وليس الرئيس ولا الكونغرس، او انه منفذ لها، وسيكون الشعار الاكبر لبايدن هو اعادة بناء العراق بعد دماره .

مقالات ذات صلة