قاضي التحقيق في مواجهة ملفات عشرية الفساد

6 أغسطس, 2020 – الهدهد
وكيل الجمهورية في ولاية نواكشوط الغربية ورئيس قطب مكافحة الفساد القاضي أحمد عبد الله المصطفى
فَمَا أَوْجَبَ المَوْلَى عَلَيَّ صِيَّانَــــةً *** لِعِرْضِ أَخِي عِرْضٍ أَبَى عَنْ صِيَّانَتِـه
قد يكون هذا البيت الذي تمثل به وكيل الجمهورية بنواكشوط الغربية في أحد مقالاته واحدا من مفاتيح الشخصية التي سيتعرف الموريتانيون خلال الأسابيع، والأشهر القادمة، على أدائها في التحقيق في واحد من أعقد الملفات وأكثرها إثارة للرأي العام الموريتاني، ملف التحقيق القضائي في صفقات عشرية حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
القاضي المعاصر
عندما حرك الرئيس محمد ولد عبد العزيز دبابات كتيبة الأمن الرئاسي التي يقودها لإزاحة الرئيس معاوية ولد الطائع من سدة الحكم كان القاضي أحمد ولد المصطفى يجلس في كرسي القضاء، رئيسا لمحكمة بإحدى مقاطعات كوركول في الجنوب الشرقي الموريتاني.
اختار ابن مقاطعة بوتلميت المفعم بثقافة المنطقة، أن يدرس القانون الخاص، بعد حصوله على شهادة البالكوريا – شعبة الآداب الأصلية سنة 1996. تخرج من جامعة نواكشوط بشهادة الإجازة (المتريز). وبعد سنوات تخرج بشهادة قاض من المدرسة الوطنية للإدارة سنة 2005.
تنقل بين منصات القضاء الواقف والجالس؛ فشغل منصب وكيل للجمهورية مكلف بالإرهاب، في فترة كان التركيز على مواجهة المجموعات المسلحة التي بدأت تنفذ عمليات قاسية ضد وحدات الجيش الموريتاني منذ العام 2005. وفي مدة العشر سنوات وجد القاضي ذو الأربعة عقود (1974) نفسه منخرطا في لجان التحقيق في عمليات الاغتيال المعقدة، متتبعا خيوط فرار من سجن أحيانا، ومشرفا في لجنة الحوار الوطني حول الإرهاب أحيانا أخرى.
وفي القاهرة رأس لجنة الخبراء التابعة للجامعة العربية طيلة سنتين. ناقلا الخبرة القضائية المحلية في مواجهة الجماعات المسلحة.
التحقيق في الجرائم الكبرى
في سنة 2010، خلال استغراقه في ملف الإرهاب، اختير القاضي الهادئ، ذو الملامح المحايدة، لحضور تكوين متخصص في “إدارة التحقيقات الكبرى”. أشفعه بآخر عن التجربة الفرنسية في “المعالجة الناجزة للإجراءات الجنائية”.
خلال هذه المسيرة استلم ولد المصطفى الملفات الشائكة في النيابة العامة؛ فكان مسؤولا عن ملف المخدرات. إضافة إلى ملفات الصحافة والعلاقة بالإعلام. وكانت الأقدار تسوقه إلى ملفات الفساد؛ عندما اختير محاضرا في الندوة الدولية عن الجرائم الاقتصادية في القانون الموريتاني عام 2016.
رئيس قطب محاربة الفساد
عام 2016 اختير القاضي أحمد ولد المصطفى رئيسا للنيابة بولاية نواكشوط الغربية، وهي نفس السنة التي أقر فيها قانون مكافحة الفساد رقم: 014/2016. نص القانون على إنشاء قطب مكافحة الفساد، وفاء بالتزامات موريتانيا وتطبيقا للاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، وهي تماثل هيئات موجودة في معظم دول العالم الآن.
رغم إقرار القانون في 2016 إلا أن القطب لم ينشأ على مستوى التحقيق فعليا إلا سنة 2017 بموجب المرسوم رقم: 017/2017.
ثلاثة قضاة بقيادة وكيل الجمهورية في ولاية نواكشوط الغربية أحمد ولد المصطفى هم قطب محاربة الفساد الذي سيتولى التحقيق القضائي في الملفات التي نبشتها على مدى شهور لجنة التحقيق البرلمانية.
مئات الصفحات، وعشرات الصفقات المتخمة بشبهات الفساد، تمثل قضية رأي عام منذ مغادرة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز السلطة قبل عام، وضعت أمس على طاولة القاضي النحيف قادمة من البرلمان بعد أن توقفت أياما في مكتب وزير العدل حيموده ولد  رمظان.
ستضع هذه الملفات القاضي الذي عرف بتحفظه في التعبير عن ميوله السياسي أمام ضغط غير مسبوق؛ ففي هذه الملفات اختلط السياسي بالقانوني؛ إذ لا يراها أنصار الرئيس السابق أكثر من مجرد “تصفية حسابات”، و”طعن في الظهر”. بينما يراها آخرون استحقاقا على السلطات القضائية إنجازه، بعد أن وضعت السلطات السياسة الملفات على طاولة العدالة.
إحالة الملفات من السلطة التنفيذية، بعد أن حبكتها أيادي الفاعلين في السلطة التشريعية، يجعل السلطة القضائية أمام تحد تنافسي؛ فكلا السلطتين أنجزت مهمتها على نحو نال إعجاب المتابعين، وأخرج عهدة استرداد ما يراه كثير من الموريتانيين أموالا منهوبة إلى ذمة القضاء. وبحسب القانونيين فإن عمل ولد المصطفى وفريقه سيكون حاسما في اتجاه الملفات إلى محطات قضائية أخرى.
بين ضغطين
ربما لو خير القاضي ولد المصطفى لاختار إنشاد مقطوعات شعرية على كثبان آمشتيل، ومداعبة قمرها بمقاطع من إنتاج الشيخ ولد مكين، أو محمد ولد أحمد يوره، بدلا من الوقوف تحت أضواء الباحثين عن وسيلة لإدانة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، والباحثين عن براءته.
مرة قال ولد المصطفى عن نفسه إنه ترك التردد على درس لأحد المشايخ في مسجد بجوار بيته حين لمس نَفَسَ تشدد في أحاديث الشيخ. حاسة ضد التشدد أكسبته إياها تجربته الطويلة في مواجهة المجموعات المتهمة بالإرهاب.
وهذه المرة سيواجه وزراء ومديرين، وربما رئيسا، كانوا على احتكاك بملفات تولاها طيلة العشرية الماضية، دون أن يخرج إلى العلن خلاف حاد بينه وبين أركان النظام.
مهارة القضاة الجالسين في التعاطي الفني مع ملفاتهم، وقدرة القضاة الواقفين على تكييف طلبات رؤسائهم مع القانون، تحتاجان مهارة فنية يبدو أن تراكم الخبرة منح رئيس قطب محاربة الفساد قسطا لا بأس به منها. فلم تتضرر سمعته خلال العشرية الماضية، لكن الاختبار هذه المرة قد يبدو أقسى.
فالرأي العام، ومعه بعض الفاعلين السياسيين يريدون إدانة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وكل المشمولين في الملفات، مهما كان السند القانوني لذلك. والقانون نص لا يمكنه التكيف مع كل الرغبات، وضمير القاضي المهني يقود إلى الانحياز إلى القانون.
“معلوم أن بعض الأزمات المرَضِية، قد يتطلب علاجها صدمات موجعة، وفِي هذه ملتمس بأحسن المخارج لمن كتب مشخصا فَـهجا الناس”.
إذا نقل ولد المصطفى مقولته هذه إلى الصيغة القضائية؛ فيمكنه القول إن بعض الملفات تشكل صدمة في ذاتها، وتحتاج إلى امتلاك الجرأة للعلاج بالصدمة. ولا بد أن يأتي يوما من يلتمس أحسن المخارج لمن عمل محققا فسجن الرئيس والوزير والمدير.

مقالات ذات صلة