دياغانا تيدجان العميد المؤسس في ذمة الله../ بقلم منيه ولد التاه
في يوم ٢٦ يونيو ٢٠٢٠ وافى الأجل المحتوم عميد المهندسين المعماريين الموريتانيين دياغانا تيدجان الذي تختزل ذكرياتي عنه، على ما اظن، جزءا هاما من تاريخ جيل المؤسسين الأوائل لموريتانيا الحديثة ولمدينة نواكشوط بالتحديد ، كما تختزل طموحات وأحلام أجيال من المعماريين الموريتانيين الشباب في خضم عنفوانها ونضالها للتعريف باهمية الهندسة المعمارية لبلد مثل موريتانيا رغم الامتعاض وقلة العدد ويطغى على هذه الذكريات في الأساس اكثر من اي شيء آخر جانب الإنسان المرهف والمحب للخير لبلده ولكل الناس الشغوف بالبيئة والنباتات والذي غالبا ما يخنقه التاثر والعبرات خلال كلمات الشكر العلنية في المناسبات .
تعرفت على دياغانا ايدجان في بداية التسعينات خلال عطلة صيفية وانا اضع اقدامي لأول مرة على أعتاب دراسة الهندسة المعمارية عن طريق صديقه وجدي للام الراحل محمد سالم بن امخيطرات الذي عمل وزيرا للمالية في حكومة المختار ولد دادداه في الستينات وجمعته مع الفقيد دياغانا لاحقا، بعد الإحالة الى المعاش هواية غرس الاشجار ومكافحة التصحر وحب اشجار الصمغ
واستطيع ان اقول دون تردد ان عددا كبيرا من بناة الدولة الموريتانية وابنائها والاجيال المؤسسة كانوا جميعا اصدقاء للمرحوم دياغانا الذي كان مرحه و عفويته في تعاطيه مع الاخرين يوهمك دائما ان الجميع اكثر من اصدقاء حميمين له
وفي عديد الأماسي التي كانت تجمعني به خلال سنوات في مكتبه الواقع خلف منزله المكدس بالمخططات والأفكار، والتي كانت تمتد لفترات طويلة ثم نخرج منها الى الحديقة التي كان يتعدها شخصيا بالسقي وتمتزج فيها روائح الياسمين والليمون بنباتات وأصناف اقتناها على مدار السنوات خلال رحلات الى مختلف البلدان
كان الحديث يدور دائما عن التجارب والتحديات التي رافقت توليه لإدارة الإسكان مع استقلال البلاد بما ذلك البحث والاعتماد على مواد اولية محلية خلال تشييد بعض احياء العاصمة وكذلك الارشيف البصري الثري الذي استطاع تجميعه حول مدينة نواكشوط وعشرات الأفكار لمشاريع لم تر النور ونضاله المستميت من أجل ترميم المسجد التاريخي لمدينة كيهيدي وخلق هوية معمارية وطنية واعادة تهيئة حدائق الميناء وغيرها من المواضيع واهمية الهندسة المعمارية وضرورة النضال من أجل ان تتبوأ المكانة التي تليق بها في البلاد واهمية اتاحة الفرصة للمهندسين المعماريين الموريتانيين للمساهمة في تطوير البلد على غرار باقي البلدان والهوية المعمارية الوطنية وغيرها من المواضيع
ومع اكتمال تخرج اول مهندسين معماريين موريتانيين شباب من تونس والمغرب والذين كنت ااحدهم في اواخر التسعينات ولم يكن عددنا الإجمالي وقتها يتجاوز العشرة في كل البلاد ، كنا وبكل اعتزاز وفخر بمهنتنا “الحرة” نتمترس خلف شيبة الرئيس دياغانا تيدجان في لقاءاتنا مع المسؤلين الحكوميين لنشرح الفرق بين مهندس معماري ومهندس مدني وأهمية تقنين مجال الهندسة المعمارية في بلادنا كما هو الحال في الدول المجاورة ليتسنى لنا ممارسة المهنة في ظروف مقبولة
وفي نفس الوقت الذي لم يكن من السهل بالنسبة للعديد من المسؤلين المعنيين بالقطاع استيعاب طموحاتنا الجامحة، السابقة لاوانها، كنا نسافر الى تونس والرباط واصطنبول على حسابنا وفي بعض الاحيان الى دكار في سيارة الرئيس دياغانا الاسطورية مرسدس العابرة للصحراء ، لتأسيس ودعم اتحادات دولية للمهندسين المعماريين ( للمغرب العربي ، لافريقيا ، لحوض البحر الابيض المتوسط وفي بعض الاحيان لدعم مرشحنا الافريقي في انتخابات الاتحاد العالمي للمعماريين ) ثم نتمترس ايضا في مختلف اللقاءات خلف شيبة الرئيس دياغانا الذي كانت موهبته الدبلوماسية دائما ذات اثر كبير في نجاح مساعينا من هذه اللقاءات رغم عجزنا عن تحقيقها محليا
وغالبا ما يربط العميد دياغانا صداقات سريعة مع مختلف رؤساء الهيئات والمسؤولين المعنيين بالقطاع في هذه الدول وتصبح احاديثه موضوعا للتندر والفكاهة كما تصبح موضوعا للتساؤل عنا في حالة غيابنا عن دورات لاحقة من الاجتماعات كما حدث مرارا بحيث لا يكون مرور الوفد الموريتاني ابدا كغيره من الوفود .
رحم الله الفقيد دياغانا تيدجان الذي استطاع وبكل عفوية وصدق ان يكون رمزا من رموز تسامح وحب موريتانيا وحلقة تربط ابناء هذا البلد بغض النظر عن السن والجهة.
وتقبله الله في فسيح جناته .