
رباط المواطنة: مفهوم جامع لبناء الدولة وتعزيز الوحدة الوطنية…./ الدكتور التقي شيخنا محمد تقي الله
في افتتاح النسخة العاشرة من مهرجان مدائن التراث بمدينة وادان، قدّم فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رؤية وطنية عميقة من خلال حديثه عن رباط المواطنة، بوصفه إطارًا جامعًا يعيد الاعتبار لقيم الانتماء الوطني، ويؤسس لبناء دولة القانون والمؤسسات على أسس متينة من المساواة والعدالة والعيش المشترك.
ويُقصد برباط المواطنة ذلك الارتباط الواعي والمسؤول بين المواطن ووطنه، ارتباط يتجاوز الروابط الضيقة من قبيلة أو جهة أو عرق، ليُعلي من شأن الانتماء للدولة باعتبارها الإطار الجامع للجميع. وهو رباط يقوم على الالتزام المشترك بقيم الجمهورية، واحترام القوانين والمؤسسات، ويجسد فهمًا حديثًا للمواطنة باعتبارها حقوقًا متساوية وواجبات مشتركة بين جميع المواطنين.
وفي هذا السياق، يشكل رباط المواطنة ركيزة أساسية لتعزيز اللحمة الوطنية، إذ يرسّخ الشعور بالانتماء المشترك، ويؤكد أن الوطن يتسع لجميع أبنائه دون تمييز. كما يساهم في الحد من المسلكيات السلبية التي تُضعف الدولة، مثل الجهوية والمحسوبية وتغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة، وهي ممارسات تُقوّض أسس دولة القانون وتعرقل مسار التنمية.
ويبرز هذا المفهوم كذلك كأداة فاعلة في محاربة السلوكيات المنافية لدولة القانون والمؤسسات، من خلال ترسيخ ثقافة احترام القانون وتقديم الولاء للدولة على أي ولاءات ضيقة. فرباط المواطنة يدعو إلى سلوك مدني مسؤول، يقوم على احترام النظام العام، وحماية الممتلكات العمومية، والالتزام بالواجبات الوطنية، ويعزز في الوقت ذاته مبدأ المساءلة والمساواة أمام القانون.
ويرتبط رباط المواطنة ارتباطًا وثيقًا بمفهوم العيش المشترك، الذي يُعد حجر الزاوية في بناء دولة قوية ومستقرة. فالعيش المشترك يقوم على قبول التنوع الثقافي والاجتماعي والاعتراف به كقيمة مضافة للمجتمع، ويؤسس لعلاقات قائمة على الاحترام المتبادل والتعايش السلمي، مع نبذ كل أشكال الإقصاء والتمييز، بما يكرّس مواطنة جامعة لا إقصائية.
ولا يقتصر دور رباط المواطنة على الجوانب السياسية والاجتماعية فحسب، بل يمتد ليشكل رافعة حقيقية للتنمية المحلية. فحين يشعر المواطن بالانتماء والمسؤولية تجاه وطنه، يصبح أكثر استعدادًا للمشاركة في حماية التراث، ودعم المبادرات المحلية، والحفاظ على الموارد، خاصة في المدن التاريخية والمناطق الداخلية. وهو ما يجعل من رباط المواطنة عنصرًا محوريًا في تعبئة الطاقات المحلية لخدمة التنمية المستدامة.
وفي إطار بناء الدولة الحديثة، يرسّخ هذا المفهوم رؤية واضحة للمواطنة تقوم على مبدأ بسيط وعادل، مفاده أن كل من يحمل البطاقة الوطنية يتمتع بنفس الحقوق ويلتزم بنفس الواجبات. وبذلك يكرّس رباط المواطنة مبدأ المساواة التامة بين جميع المواطنين دون أي تمييز، ويعزز الثقة بين المواطن والدولة.
ويخلص هذا الطرح إلى أن رباط المواطنة ليس مجرد شعار نظري أو خطاب ظرفي، بل هو مشروع وطني متكامل، يشكل أساسًا لبناء وحدة وطنية صلبة، ودولة قانون قوية تحفظ الحقوق والحريات، وتضمن المساواة أمام القانون، وتفتح آفاقًا واسعة لتنمية محلية مستدامة، في ظل مجتمع متماسك يقوم على العيش المشترك والمواطنة الجامعة..



