
*الفريق محمد فال ولد الرايس… حين تتحوّل النزاهة إلى موقف وطني …./ الشريف بونا
في خضمّ ما يتردّد من نقاشات حول صفقة الأجهزة الطبية وما شابها من جدل، يغيب عن كثيرين البعد الأعمق للصورة؛ فالبحث عن الحقيقة لا يكتمل من دون قراءة المسار الكامل للرجل الذي يتصدّر المشهد اليوم: الفريق محمد فال ولد الرايس، أحد أبرز من عُرفوا داخل المؤسسة العسكرية بالصرامة المهنية والنظافة الإدارية.
أكثر من عشر سنوات أمضاها الفريق محمد فال ولد الرايس في إدارة العتاد، وهي من أكثر الإدارات حساسية وأهمية داخل الجيش. وخلال تلك الفترة التي شهدت اقتناء تجهيزات عسكرية بمبالغ كبيرة، لم تُسجَّل — حسب علمي و من عملوا معه — أي ملاحظة تتعلق بعمولات أو تجاوزات، رغم أن بيئة الصفقات بطبيعتها تتيح فرصًا واسعة للالتفاف على المعايير.
لكن الرجل — المعروف بطبعه الكتوم وبعده عن المجاملات — ظل ملتزمًا بضبط المساطر واحترام التعليمات المالية، حتى بات اسمه مرادفًا للانضباط المؤسسي.
من الصعب على المتابع المنصف أن يستوعب اتهامات تشير إلى دخول الفريق ولد الرايس في صفقة «مشبوهة» بعد يوم واحد فقط من تعيينه قائدًا عامًا للجيوش، ومع شركة صغيرة غير معروفة. والأصعب من ذلك هو أن تتجاهل مثل هذه الروايات معلومة جوهرية: أن من يُتَّهم بالتواطؤ ذاته هو الشخص الذي دفع — وفق ما نُقل — إلى استعادة مبالغ طائلة لصالح الدولة وإلغاء الصفقة من أساسها.
هذا التناقض وحده يكفي ليثير تساؤلات طبيعية حول خلفية الحملة، ويعزّز الانطباع لدى كثيرين بأنها صادرة عن أطراف تضررت من تشديد الرقابة على الصفقات وإغلاق أبواب الارتجال والمحسوبية داخل المؤسسة العسكرية.
لا يمكن فصل ما يحدث اليوم عن الدور الذي لعبه الفريق محمد فال ولد الرايس طوال وجوده في إدارة العتاد للجيش. فقد كان — وفق شهادات متطابقة — من أوائل من عملوا على “تنظيف الملفات” وإعادة ترتيب الأولويات وفق منطق الدولة لا منطق العلاقات والمصالح.
وقد ساهم ذلك في ترسيخ ثقافة جديدة تقوم على احترام المال العام، وتحديث الإجراءات، وتحصين المؤسسة.
هذه المواقف ليست مجرد إجراءات مكتبية، بل هي شكل من أشكال الوطنية العملية؛ تلك التي تتجسد في حماية الموارد العامة، وصون هيبة المؤسسة، ورفض الانخراط في ما يسيء إلى شرف الخدمة العسكرية.
قد تختلف الآراء حول التفاصيل، لكن تقييم الرجال لا يكون بالاجتزاء ولا بالعناوين المثيرة، بل بالمحصلة الشاملة لمسيرتهم. والمسيرة التي يُنسب إلى الفريق محمد فال ولد الرايس أنه سار بها خلال العقد الأخير تجعل من السهل فهم سبب إصرار العديد من أبناء المؤسسة العسكرية على الدفاع عنه اليوم باستماتة.
فالوطنية ليست شعارات تُرفع، بل هي قدرة على الوقوف في وجه التجاوزات، والإصرار على أن يبقى المال العام مصونًا، والقرارات محكومة بمصلحة الدولة لا بمصالح الأفراد.
وإن صحّ أن الرجل جسّد هذا النهج في عمله، فذلك وحده كافٍ لوضعه في موقع الاحترام الذي يحظى به لدى من عرفوه عن قرب.
اللهم اجعل بلادنا من خير البلاديوم اجعلها آمنة مطمئنة إلى يوم التنادي. اللهم رد عنها زيغ اهل الزيغ و فساد اهل الفساد.




