ورحل المصلي.. بقلم المختار الطالب النافع

“لا أجد مبررا لعقوبة من يخل بعمله مالم تكن ثمة مكافأة لمن يحسنه”، حكمة بليغة مثلت فلسفته في تسييرمهمة الريبورتاج التي اوكلت اليه في تسعينيات القرن الماضي، وكان يومها حدثا في السن، كبيرا في الفكر، عميقا في التصور.

هكذا كان رد من كنا نختزل اسمه الطويل في”مبارك”، عندما وجهه أحد مرؤوسيه يوما إلى استفسار أحد الزملاء حول مهمة صحفية تم الإخلال بها أو لم يتم القيام بها على الوجه المرجو.

في عنفوان شبابه ،وفي أوج المراحل العمرية للإعجاب بالنفس والتباهي بالقيادة ونمو “أنا” المسؤولية،لم ينس “مبارك “معاني الرحمة وتجليات الدخول في دعوة من برحمة من الله لان لقومه، القائل عليه الصلاة والسلام(اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به).

عرفته مصليا بامتياز، يحمل في ذاكرته ساعة بيولوجية بتوقيت الصلوات الخمس وتغييراتها الفلكية، وخارطة واضحة المعالم بتوزعة بيوت الله في العاصمة التي جعلها مثابة للقلب وراحة للفؤاد وقبلة للتبتل كما اتخذ غيرها من مساجد البلد وجهة ومأوى.

يصدع بالحق في شموخ، يواجه الباطل بعزة نفس تأبى الخنوع ،واجه مواقف عديدة، اختلفت باختلاف أحوال الدنيا، فكان نموذجا للصابر المتوكل، يعمل بالسبب ويحيل النتيجة لمسبب السبب في رضى كامل وتسليم تام.

عرفته عن قرب أكثر، وأنا أواجه محنة علاج “خ د”من مرض السرطان، حيث اتصل بي في داكار ليواسيني ويبدد أحزاني وينصحني بضرورة متابعة علاجها في الوطن، وعند العودة كان السند وكانت “أمامة” البلسم والمعين حتى قضى الله أمر كان مغعولا.

هكذا رحلت يا “مبارك” في هدوء كما العظماء يرحلون، ودعت الدنيا على غير ميعاد كما هي الموت لا تأتي الا بغتة، تركت مروءات وأخلاقا عز مثيلها ومآثر تستحق وارف الدموع عليها. سأسقيك ماء العين ما اسعدت به
وان كانت السقيا من العين لاتجدي

اللهمّ إنّ “مبارك ” في ذمّتك وحبل جوارك، أنت أهل الوفاء والحقّ، ورحمتك وسعت كل شيئ، ارحمه رحمة تطمئن إليها نفسه وتقر بها عينه واجعله في بطن القبر مطمئنّاً، وعند قيام الأشهاد آمناً، وبجود رضوانك واثقاً، وإلى أعلى جناتك سابقاً.

اللهم اجعله يا كريم ممن قلت فيهم لا يبدل قولك(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ* لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ* لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ وَتَتَلَقّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ*).

وقلت جل علاك (وقالوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).

اللهم إنه قدم إليك مؤمنا بك، فقيرا إليك، موقنا بأنك الغني عن عذابه، ارحمه رحمة من عندك تغنيه بها عن رحمة من سواك .

تقبله في عليين ،يمن كتابه ،يسر حسابه،اجعله ممن سبقت لهم منك الحسنى واجزه عنا خير الجزاء بفضلك وجودك ياأكرم مسؤول.

اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة واجعله يوم الاشهاد من الآمنين .

اللهم انك قلت وقولك الحق (أدعوني استجب لكم) وقلت وقولك الحق( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) وقلت جل علاك (أمن يجيب المضطر إذا دعاه) وقلت وقولك الحق( واسألوا الله من فضله) يالله يا جواد ياكريم أجزه عنا خير الجزاء فإنا لا نملك لمجازاته إلا الدعاء وهذا الدعاء ومنك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان ولاحول ولاقوة الا بك.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة