ابراهيم سداتي يكت : تخن والتيه…!!

احتلال غزة – إن وقع – لن يكون زلزالًا في وعينا الجمعي، بل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الصفحات التي طويناها بلا مساءلة ولا مراجعة. لقد اعتدنا أن نلقي بقضايا الأمّة خلف ظهورنا، وأن نغرقها في صمت النسيان. تركنا الخلافة، وتخلّينا عن وحدة الأمّة، ونسينا أخوة الدين، وانشغلنا بخنادق ضيقة رسمتها لنا الهويات الصغيرة: قبائل وطوائف، سنّة وشيعة، عربًا وبربرًا، دروزًا وعلويين وغيرهم.
انتُزعت فلسطين عام 1948، وذقنا مرارة الهزيمة في 1967. حاولنا لملمة الصفوف واستعادة الكرامة، لكننا في سبعينيات القرن الماضي بدأنا نتراجع، وتحوّلنا إلى فرق لكلٍّ منها أجندته: فريق سعودي، وآخر مصري، وثالث سوري، ورابع لبناني… حتى صار عدد الفرق العربية اثنتين وعشرين، تتناحر أكثر مما تتعاون، وتجرّ بعضها بعضًا إلى الخلف، مؤثرةً سلبًا على ما تبقى من العالم الإسلامي، وعلى من ظل متمسكًا بحلم التحرر والحرية والديمقراطية.
ثم طوينا صفحة فلسطين الكبرى، وأغلقنا ملفات أوسلو ومدريد، ودفنّا حلم القدس الموحّدة، والدولة المتصلة جغرافيًا ذات السلطة الواحدة. واعتدنا أن يكون رأس في رام الله وآخر في غزة. ومع مرور السنين، فشلنا في مشاريعنا، وابتكرنا انقسامات جديدة، لا كتلك التي تقوّي الجسد وتجدده، بل التي تنخره وتضعفه. في سوريا مشروع لخمس دول، وفي العراق تحققت اثنتان وننتظر أخريات، وفي ليبيا اثنتان حتى الآن، وفي مصر وغيرها خرائط معدّة تنتظر التنفيذ… ولا أحد يدري ما هو المبتغى النهائي، إلا أن المؤشرات جميعها ترفض التغيير، وتصرّ على المضي في الطريق ذاته نحو مزيد من التشرذم والانكسار.
واليوم، حروب تتوالى: في السودان، وسوريا، وليبيا، واليمن، وفلسطين… والمشهد لا ينذر إلا بمزيد من الدم والانقسام. وفي الوقت نفسه، يطلّ علينا مشروع التهجير، ويليه “إي واحد” وغيره من المخططات، وصولًا إلى خطاب نتنياهو الأخير بمشروعه المزعوم “الإلهي والروحي”. ومع ذلك، لم يتحرك أحد، ولم ينبس أحد ببنت شفة؛ لا استنكارًا، ولا تنديدًا، ولا حتى بكلمة “ضبط النفس”.
فهل بعد هذا يمكننا أن نأمل؟ أم أن قدرنا المحتوم أن نواصل السير في هذا التيه، نبحث عن وجبة غداء واحدة لليوم، ونمضي كما قال أحمد مطر ذات يوم: “كُتب علينا التيه… حتى إشعار آخر”؟

مقالات ذات صلة