طوفان الأقصى غير قوانين لعبة المواجهة في الاراضي المحتلة
بدأت فصول الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي قبل عقود من الزمن ومر بمراحل مختلفة ومتعددة ، تمثلت في حرب النكبة سنة ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين والنكسة عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين ،و الحرب التى دامت لستة ايام ، إنتهاءا بطوفان الأقصى الذي وقع في السابع من اكتوبر ألفين وثلاثة وعشرين غير أن حدته و قوته زادت، واتسعت رقعته، لتتعمق في لبنان وتتجاوز المدى إلى إيران، التي اتخذت خطوة جريئة وسريعة للدخول على خط المعركة ،في ضربة الاستباقية نوعية ، أثارت تساؤلا وجدلا كبيراً ، في الأوساط السياسة الدولية.
احداث السابع من اكتوبر فتحت حربا جديدة على قطاع غزة، أثبتت باستمرارها ، وضراوتها الشديدة ، أن المعادلة قد تغيرت تماما، وان ماكان يحدث في الماضي من هدن واتفاقيات مبرمة ومعاهدات لم يعد مقبولا في قاموس الطرف الآخر ابدا، بعد استهداف حماس لبلدات ومدن اسرائيلية في الشمال ومنشآت عسكرية حيوية غاية في الأهمية.
الايديولوجية الفكرية الراسخة لدى الآخر اتخذت عنوانا ثابتا لا يتغير (معركة الوجود ) واكدت أن لابديل لديها مطلقا، سوى الدفاع عن النفس وتحقيق الأهداف والغاية ،مهما كلف الثمن.
لكن في المقابل أيضا هناك إصرار قوي ومطلق من الفلسطينين على احقيتهم في الحرية والعيش الكريم ، وان ماقاموا به هو نتيجة جوهرية لمعاناتهم والحصار المفروض عليهم لسنوات فقدوا خلاله الامل في تسوية أوضاعهم المادية والإنسانية.
وبين هذا وذاك وماهو حق وباطل ، كان من تمام حكمة الله تعالى وتدبيره المتقن ، أن جعل حجة الرسالة الخاتمة معجزة ، تخاطب القدر الثابت للإنسان ،على اختلاف زمانه ، ومكانه معا .
فالقرآن الكريم هو خطاب للعقل والفكر ويعتمد على الدليل والبرهان ، بل يوجه النظر والفقه ،ويحض على اليقين والاستدلال.
هذه المفاهيم العقلية الروحية الربانية التي أوجدها سبحانه وتعالى كانت المحور الأساسي ، لعدد من المفكرين ورؤساء الأحزاب السياسية ،والبرلمانين ورجالات الكلمة والنقد ، والنخبة الوطنية، والجمعوية لبحث ودراسة ، الجذور الغائرة لقضية (الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي) ، ومحاولة لإلزام العقل بالحجة والبينة، والدليل المستقيم، مشبعين فضول الحاضرين والمهتمين بأوفى تفصيل وشرح وتعليل ، لأهم الجوانب المتعلقة بالموضوع ، وفك طلاسم من احترفوا الجدل ،في التاريخ بين ماضى في عناده وفهمه، ومتعاطى مع إعجابه وتقبله عبر فيض زاخر من الفكر الوهاج.
الذكرى السنوية الأولى، لحرب غزة وماخلفته من آلاف القتلى والجرحى إضافة إلى الدمار الشامل في كل مناحي الحياة، كانت إلهاما قوياً، لهؤلاء الحضور ، الذين جمعتهم الروح الدافعة التي أيقظتها الذكرى، وفي صعيد واحد لتتضافر جهودهم ووجدانهم على إخراج رؤى فكرية ،ثابتة ومستقرة، زاهرة بقدرتهم الفائقة، على قراءة الحاضر واستشراف المستقبل ، والفهم العميق ،لمجريات أحداث الماضى، والحاضر معا، مستكشفين بجذوة النظر ما التزموا به في دائرة الحواشى والمتون، وعكفوا عليه في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وما أخذوه من السابقين وكتبهم، وما أنفقوه من أعمارهم ،لحل رموز وتعابير المشهد، معتمدين ، على الأبعاد السياسية والفكرية، والقومية للحرب ، نافذين إلى لبابها ومنزلين الوقائع على قواعد الدين الثابتة ونصوصه المحكمة، لصد اي هجوم ينفي الحقيقة الثابتة ،سبيلا للتكلف واللجاج.
الأمسية التي نظمتها قناة موريتانيا المستقلة ( قمم) بالتعاون مع المركز الموريتاني للدراسات الاستراتيجية والتنمية المستدامة والمسح الشامل ( داتا ) كانت مناسبة قوية لمدير القناة السيد محمد الشيخ ولد سيد محمد ،الذي أوضح بشكل كبير أن قضية الصراع هي وجودية وقدرية بحتة ، استناداً واستدلالا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، مؤكداً، أن الزوال حتمي لامحالة ،على من كتب له، وفي أفق سبع سنوات فقط ، واثقا من مقولته التي خلت من عبثية الفكر العقيم ، وخلافا لماقاله أحد رجالات الأمة الراحلين والذي حدده في غضون ثلاث سنوات فقط اعتماداً هو الآخر على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي جاءت بالخبر اليقين.
ذكرى السابع من اكتوبر التى نظمتها (قمم) شهدت عرضا قوياً جداً لفلم وثائقي متكامل الأساس في سرد مقولات خالدة سطرها وكتبها عدد من قادات العالم العربي الراحلين ليعطي دلالات كبيرة ،واضحة وقوية عن مايجري من أحداث دموية اليوم ،قد استشرفها هؤلاء قبل سنوات من رحيلهم.
الفلم الوثائقي الذي يحتوى صور وكلمات القادة العرب لاقى استحسانا واسعا وعبارات تقدير شديد حركت وجدان القومية لدى الحاضرين، الذين لم يتمالكوا أنفسهم في التعبير عن خلجات مايدور في خلدهم بين مصفق ومهلل ومكبر معا ليعطوا الأمسية تفاعلا وتناغما حيويا تحول إلى إيقاع قوي.
الأمسية جرت بحضور أحد ممثلي قادة حماس في موريتانيا السيد محمد ابو صقر الذي شكر القائمين على القناة وما اتاحوه من فرصة للتحدث في هذه الذكرى التي يؤكد عظمتها ودورها التاريخي مشيدا برؤساء الأحزاب السياسية الوطنية اولبرلمانيين، والمجتمع المدني ودورهم في دعم المقاومة الفلسطينية، موضحا أن ما شاهده في الفديو الوثائقي ،يثبت أن الأمة لا تموت ابدا فكلما ذهب قائد يأتي بديل آخر .
نجد أن كل الرؤي والأفكار التي تقدمت بها النخبة الفكرية ،الوطنية، حول الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، تصب في مدارج التوهج الفكري الموحد ،فتلقفوا رايته ليعطوا، للحدث قيمته وحقيقته، تاريخاً وحضارة ، ويغرسوا إيمانا جديداً في الأمة ويحركوا وجدانا ،وضميرا غائباً ،مؤكدين أن الحرب لم تأتي إلا بعد أن تقررت على منهاج الوحي وأدلته الخاصة ووسائله المنفردة،فاعدوا لهذا الحدث مااستطاعوا من كلمات ورؤية ،للقيام بواجب كفائى عن أمتهم .
فالحرب إذن تستمد قوتها من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ،ولم تخرج عن سمتها الموضوعية وحدودها الزمانية الضاربة في القدم،و كل ما يقال عنها ،على حداثة قديم المدلول والمعنى رغم تفاوت الآراء والأفكار حولها فإنه يعتمد على تعبير واحد وهدف واحد هو قضية الوجود وأسباب وضمانات البقاء ، مهما كلف الأمر.
خديجة إبراهيم