رسالة مفتوحة إلى القائد المغوار يحيى السنوار
حضرة السيد/ يحيى إبراهيم حسن السنوار – رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل أكثر من شهرين من الآن أرسلت رسالة مفتوحة -عبر هذا المنبر- إلى حضرة القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، ذكرت فيها حينها بأن العالم منذ أربعين يوما وهو يقف على رجل واحدة، وها نحن على أبواب الشهر الخامس ولم يلتقط العالم أنفاسه بعد، فقد استفسرت رفيق دربك في رسالتي السابقة بوصفه قائدا عسكريا، ولكني لم أتلق الجواب، وأنا أتفهم ذلك لما يعرفه القطاع من ظروف أمنية غير مسبوقة، لذا أتوجه إليكم سيدي الرئيس بصفتك قائدا سياسيا والمسؤول الأول عن حركة المقاومة في قطاع غزة الصامدة، فقد تواترت الأخبار من الأعداء والخصوم والأشقاء على أنك أنت من اتخذ قرار الهجوم النوعي على دولة “إسرائيل” التي تعتقد جازمة أنك مهندس عملية “طوفان الأقصى”، لذلك وضعَتك على رأس لائحة المطلوبين لديها، ولا أحد غيرك يمكن أن يقدم جوابا مقنعا على الاستفسارات والتساؤلات التي عمت ملايين المتابعين لهذه الحرب في هذا العالم.
بالله عليكم هل فكرتم في ذوي القلوب الضعيفة على هذا الكوكب، هل تعلمون أن من بيننا من لم يصدق لحد الآن أنكم أنتم من فعلها، ومنا من يؤمن إيمانا جازما بأنكم وقعتم في فخ فارسي إيراني
- سيدي الرئيس..
قبل 120 يوما، وفي صباح السابع من أكتوبر صدمتم العالم، ويبدو أن أحد عناصر “الوحدة السيبرانية” لكتائبكم قد عبث بإعدادات العالم، والأنكى من ذلك أنكم تلاعبتم -مع سبق الإصرار والترصد- بأقوى “دولة” في الشرق الأوسط، بل جعلتموها اضحوكة أمام العالم. وباختصار شديد فقد قمتم بـ “صدمة قوية” لهذا العالم دون مراعاة لنفسية سكانه، لقد قلت لزميلك محمد الضيف: أفتان أنت يا أبا خالد؟!
بالله عليكم هل فكرتم في ذوي القلوب الضعيفة على هذا الكوكب، هل تعلمون أن من بيننا من لم يصدق لحد الآن أنكم أنتم من فعلها، ومنا من يؤمن إيمانا جازما بأنكم وقعتم في فخ فارسي إيراني، بل منا من يرى بأن “إسرائيل” هي من سمحت لكم باقتحام الجدار الحديدي الذكي، وأنكم شاركتم في مؤامرة هدفها “نكبة” جديدة في غزة، هل فكرتم في النخب الحاكمة في الدول العربية التي أحرجتموها بذلك الإنجاز الكبير والهجوم السريع والخطير، وها نحن نعيش على أعصابنا ونتابع تداعيات ذلك القرار، فهل نجد لديكم أجوبة مقنعة على بعض اسئلتنا الحارقة سيدي أبا إبراهيم السنوار؟
كيف وجهتم “ضربة القرن” تلك في ظل موازين القوى الحالية والظروف الدولية والإقليمية، لماذا تجاهلتم قناعة من سبقوكم في منظمة التحرير الفلسطينية، إذ وضعوا السلاح جانبا لعدم جدواه وآمنوا بالواقعية والمرحلية والحلول السلمية، وهي القناعة نفسها التي سبقتهم إليها أرض الكنانة ودول الطوق وجل الأنظمة العربية، فقد ترسخت القناعة بوجود “بون شاسع بين الإمكانات المتوفرة والأهداف الإستراتيجية”، فلا مجال لرمي “إسرائيل” في البحر ووراءها قوة عظمى راعية تسمى الولايات المتحدة الأميركية، وتدعمها كل الدول الأوربية التي لها باع طويل في جرائم الحرب والإبادة الجماعية، ناهيك عن “خيانة” بعض الأشقاء وخذلان “بعض” الأنظمة العربية والإسلامية. فهل هذه الظروف جميعها تتحمل مثل تلكم العملية الضخمة المباغتة الهجومية؟!
لقد اطلعت على رسالتك التي وجهتها لزملائك في المكتب السياسي والتي ذكرت فيها أن “كتائب القسام قد هشمت الجيش الإسرائيلي، وهي ماضية في مسار تهشيمه”، فأنتم لم تقوموا بتهشيم صورة أقوى جيش في الشرق الأوسط بل قد جعلتموه حقا أضحوكة أمام العالم
- سيدي الرئيس..
ألم تتوقعوا بذلك الهجوم الصادم والمروع إثارة جنون الأم الحنون الراعية؟ ألم تعلموا أن لدى “إسرائيل” المدللة “أم محاربة” قوية، لها سوابق إجرامية، وتعاني من أعراض “الحب العنيف” تجاه بنتها الوحيدة الذكية؟ ألم يكشف لكم علم النفس عن مواصفات هذه الماما العنيفة التي تشعر بمسؤولية كبيرة تجاه بنتها، وترى أن حمايتها هي واجبها، وأنها قد تهاجم بشراسة كل من يحاول إيذاء بنيتها! بل قد تشعر هذه الأم العدوانية بأن استخدام “القوة المفرطة” هو الطريقة الوحيدة التي يمكنها من خلالها الوفاء بواجبها؟ هل توقعتم حضور الرئيس الأميركي شخصيا لمجلس وزراء الحرب ليقول لعدوكم “لستم وحدكم”؟ بل هل كان في حسبانكم أن أميركا سترسل “أعجوبة البحار” العملاقة “جيرالد فورد” كأضخم حاملة للطائرات على الأرض والأكثر فتكا وتطورا في العالم، أما الدول الأوربية الحليفة فقد ملأت أرض غزة بالجنود والمرتزقة والذخيرة، كما ملأت سماءها بأسراب متنوعة من المسيرات الحربية الاستخباراتية، فهل توقعتم حقا بعد تلك الضربة الخاطفة النوعية كل هذه الردود الهمجية والهستيرية؟
لقد اطلعت على رسالتك التي وجهتها لزملائك في المكتب السياسي والتي ذكرت فيها أن “كتائب القسام قد هشمت الجيش الإسرائيلي، وهي ماضية في مسار تهشيمه”، فأنتم لم تقوموا بتهشيم صورة أقوى جيش في الشرق الأوسط بل قد جعلتموه حقا أضحوكة أمام العالم، وإضافة إلى تهشيم دبابات “الميركافا ” (فخر الصناعة العسكرية الإسرائيلية)، تم تدمير الصورة الذهنية التي رسختها “إسرائيل” في الرأي العام العالمي، بل قد هشمت أيضا نفسية “الداخل الإسرائيلي”، وأصبح يعاني من حالات نفسية مستعصية من نخبه السياسية إلى مؤسساته الاستخباراتية مرورا بألويته العسكرية، فقد شاهد العالم ذلك الجيش الذي لا يقهر وهو يهاجم الجدران، ويحاصر الحفر الفارغة، ويطلق النار بكثافة على الأشباح، بل يطلق النيران الصديقة على زملائه وآلياته، وحتى أسراه الذين فروا إليه لينقذهم أرداهم قتلى بشجاعة منقطعة النظير، وظهر كجيش معتوه يقاتل الأشباح في الهواء الطلق، ولم تكن لديه أهداف واضحة إلا السكان المدنيون والنازحون والمسعفون والممرضون والصحفيون.
إنه يستأسد فقط أمام المرضى والأسرى والجرحى والموتى، فالجيش الجبان لا يتقن قتال الفرسان، ولا يجيد مواجهة مجاهدي سرايا القدس وكتائب القسام.
- سيدي الرئيس..
أعرف أنك ولدت في مخيم خان يونس، الذي يعرف الآن معارك ضارية مع جيش العدو المهزوم، وأعرف أنك في طفولتك كنت من المعجبين بلعبة “عرب ويهود” التي كانت نتائج معاركها شبه محسومة لصالح “مجموعة” العرب، فهل كبرت معكم تلك اللعبة فقمتم بتنفيذها على أرض الواقع بعيدا عن “الواقعية” وموازين القوى الحالية؟هل نطمئن بأنها كانت “مغامرة” مدروسة من المقاومة الفلسطينية، رغم همجية العصابة اليهودية الفاشية المجردة من المشاعر الإنسانية، وكل ما خلفته هذه الحرب النازية الصهيونية وما اقترفته بمساعدة أميركا من جرائم ومجازر وحشية؟
اسمح لي سيدي الرئيس أن أعترف لكم بأنني ضمن الملايين الذين يتابعون هذه الحرب المقدسة وضعنا أيدينا على قلوبنا جراء ما سمعناه من الأخبار والتتبع الدقيق للآثار، فقد تنافست كل الولايات الأميركية والدول الأوروبية على إرسال المسيرات الاستخباراتية، وفعلا قد بلغت القلوب الحناجر لما شهدنا رقم هاتفك في الأمم المتحدة والمحافل الدولية، خصوصا عندما تمت محاصرة بيتك المهدم ومكتبك المدمر كما تم الجلوس على كرسيك بعد اكتشاف الأنفاق الاستراتيجية، بل قد ظهر حذاؤك على الهواء مباشرة في القناة الإسرائيلية، ناهيك عن اكتشاف صورة حديثة لرفيق دربك أبي خالد في المقاومة الإسلامية.
- وأخيرا سيدي الرئيس..
في سنة 1969 أي عندما كنت طفلا في السابعة، كانت أميركا غارقة في حرب فيتنام، وبعدما أنهكتها الحرب أصدر وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر تصريحا قال فيه “لقد خضنا حربا عسكرية وخاض خصومنا معركة سياسية” وخلص إلى القاعدة الذهبية التي تكشف من المنتصر قائلا: إن حرب العصابات تفوز إذا لم تخسر، والجيش التقليدي يخسر إذا لم ينتصر”.، ومادامت الأهداف المعلنة لنتنياهو لم تحقق فهنيئا لكم سيدي الرئيس.