موضوع التنصير في سيلبابي: اللوم علينا قبل غيرنا …! د . محمد ولد الراظي

 

تنصر أفراد وقيل قرى في سيليبابي ومر الخبر أمرا عاديا مثله عند الناس كمثل حل فلان وغادر فلان أو سجلت مقاييس المطر كثيرا هنا وقليلا هناك رغم أن الخبر أمر جلل ومصيبة كبرى تنذر بقادم أيام سيء سيكون علينا أن نواجه فيه قوى كبرى تستهدف هذه المرة هويتنا الدينية ولما ننته بعد من رهان صراعنا مع القوم أنفسهم في ترسيخ هويتنا الثقافية !!!!!

فماهي أسباب ما حصل ؟ وما قد تكون مآلاته ؟

هناك لا شك أسباب لما وقع لكن السبب وحده لا يكفي لتفسير ما أقدم عليه هؤلاء فقد يكون السبب قائما لكن فرامل قوية تمنع الأسباب من أن تتحول لردات فعل غير محسوبة فلا يكون الشخص قادرا على المضي في الطريق الخطأ وهذه الفرامل هي ما يعرف بالقوانين التي وحدها تقيد حريات الأفراد حين تكون فيها مفسدة لآخرين أو مضرة بوجود الدولة واستقرارها ولكن حين لا يكون القانون مُفَعلا يفقد روحه فيموت ولا حرمة لميت وفي ذلك إشارة قوية لمأمونية تجاوزه وعدم الاكتراث به فيفهم الناس أن القانون موجود لحاجة فيه ولكنه معطل لعجز السلطة عن مواجهة آثاره وهذا فيه خطر جسيم وقد لاحظ الناس منذ عقود أن القانون حين يصطدم بالسياسة والجاه تكون الغلبة عليه سواء تعلق الأمر بالخطاب الشرائحي والتعدي اللفظي على مكونات وطنية برمتها وعلى فئات وقبائل وجهات وأفراد وحتى حرمة الدولة لم تسلم من طيش يستهدف وجودها كوحدة ناظمة لأمة وكيان جامع لشعب……وفي كلها تعطل القانون !!!!!!

قد يصبأ المرء حين يأخذه الفضول المعرفي لقراءة كتب أخرى فيطلع على قوانين ونظم وقيم أخلاقية يعتبرها أسمى من تلك التي نشأ بها بين أهله وربعه وهذا ليس ما قد يكون السبب في ما حصل في سيليبابي فالذين صبأوا ليسوا من جلساء الكتب ولا المشتغلين بالبحوث ولم يدرسوا الأناجيل فوجدوا فيها ما لم يجدوا في القرآن وليسوا أصلا مظنة أن يكونوا أول من ينفر من الإسلام أو يتحدى سلطة مجتمعهم المتدين المحافظ بل قد يكون لأنهم يعيشون ظروفا معيشية صعبة لم يجدوا لمواجهتها وليا من أبناء ملتهم ولا نصيرا فهان عليهم كل شيء في سبيل التخلص من واقعهم المرير فقبٌَلوا اليد الممدودة لهم كالغريق يتشبث بكل حشيش وقد نسب البعض حديثا يقول بأن الفقر كاد يكون كفرا……فكان

وقد يكون السبب أن حملات تنصيرية منظمة يملك أصحابها أموالا طائلة وتحميهم قوانين دولية القصد منها أصلا أن لا تعترض طريقهم شرائع محلية فيغدقون على المحتاجين ويشيدون البنى التحتية الخدمية ويسعفون المحتاج وينقذون كل ملهوف فوقع الصابئة من القوم بين فكي إهمال الدولة والمنظمات الخيرية الإسلامية من جهة واليد التنصيرية الممدومة لهم من جهة أخرى وهذا الاحتمال له من القبول ما ليس لغيره من سائر الاحتمالات.

وثالث الاحتمالات أن يكون هذا الجهد التنصيري جزءا من عمل سياسي رديف تقوم به بعض التنظيمات السياسية المرتبطة بفرنسا في محاولة لتمييع الهوية الدينية للبلد كما هي تسعى منذ عقود لتمييع هويته الثقافية فتطبق عليه من الجانبين فتقل فرص تخلصه من براثن التبعية لها خاصة في فترة يستل الأفارقة جذور وجودها في القارة ويرمونها بعيدا….

فلماذا تفشل المخابرات الوطنية في تحسس الأمر قبل وقوعه ؟ ولماذا تغيب الدولة عن دورها في مواجهته قبل أن يتعاظم ؟ وما العلاقة السببية المفترضة بين التراخي المخل في تفعيل القانون وبين إقدام هؤلاء المواطنين على تحدي الشرع وقوانين الجمهورية فيشهرون نصرانيتهم على العلن غير عابئين بما قد يلاقونه من مساءلة ؟ وكيف السبيل لمحاصرة الظاهرة ؟ والحيلولة دون وقوع أحداث مشابهة ؟ وما علاقة الجهد التنصيري بمحاولات مسخ الهوية الحضارية للبلد وتهميش اللغة العربية وتميبع الهوية ؟

لا شك أن هذه الحرية بلا عقال التي تدفع بها “المنظمات الدولية” وتلزم الدول الفقيرة بتوقيعها والالتزام الحرفي بنصوصها ليس المقصود بها أن ينال الإنسان حقه في الاختيار – فالكثير من الناس لا يملك حتى حقه في الوجود ولا يحرك ذلك ساكنا لدعاة هذه الحرية المغرضة – بل أن تكون موطئ قدم تتسلل منه داخل المجتمعات المخالفة لبث ثقافة الغرب وقيمه فتزحف بهدوء على شعوب وأراضي وثروات وأمم فتبتلعها كما تفعل أفعى “الأناكوندا” بفريستها…..

فما الذي يمكن للسلطات أن تقوم به غدا في وجه هذه الموجة التنصيرية ؟!!! فإن فعٌَلت القوانين المحلية تكون في مواجهة مع قوانين دولية وقعت عليها وإن غضت الطرف وتجاهلت الموضوع سينتشر التنصير كالنار في الهشيم….

قد تقوم السلطة بالالتفاف على هذه البؤرة من خلال توظيف الزعامات التقليدية والدينية بموازاة مع بناء منشآت خدمية ذات نفع عام وأخذ العناصر المحركة لهذا الفعل أمام القضاء فمقاضاة أشخاص أسهل وأيسر من مقاضاة تجمعات وقرى…

لكن السلطة ليست وحدها من فشل في تحسس ما حصل وتفاديه وإنما أيضا المنظمات الخيرية الإسلامية والمشروع الدعوي بصفة عامة فقد كان نصيبهم من الفشل أكبر بكثير وأخطر لأن لهم جهدا يقومون به في هذا المجال خصيصا ولكنه كان دوما في المكان الخطأ وبالشكل الخطأ وفي التوقيت الخطأ…..

يبنون آلاف المساجد في نواكشوط وانواذيب وبعضها لا يفصله عن الآخر سوى أمتار ولا يصلي بالكثير منها غير نفر قليل يزيد على العشرة تارة وعلى العشرين تارة أخرى وقلما يكون به فوق صف أو اثنين وتكلف هذه المنشآت آلاف الملايين من الأوقية وربما أكثر من ذلك بكثير فلماذا لا تُصرف هذه الأموال لبناء مدرسة أو مشفى بين المسلمين الفقراء في الأرياف والقرى ؟ ولماذا لا يُصرف بعض من هذه الأموال لشق قنوات ري ومد شبكات مياه وكهرباء والقيام بأنشطة مدرة للدخل في حواضر المسلمين الفقيرة في سيليبابي وغيرها من مدن البلاد ؟ ثم لماذا يتوجه الجهد الدعوى ومنظمات المسلمين الخيرية بأموال طائلة في حملات “إفطار الصائم” و” توزيع الأضاحى” و”إدخال البسمة “بهذا العنوان أو ذاك ويغفو عن معاناة المسلمين الحياتية في القرى والأرياف ؟ فأيهما الأولى أن نعين على الصوم -وكل عبادة مشروطة بالاستطاعة- أو نعين على الحياة ؟ وأيهما الأولى أن ندخل البسمة في يوم عيد بتوزيع نعال وقمصان أو ندخل البسمة في أيام السنة كلها بتوزيع خبز وماء وخلق أسباب دائمة للحياة ؟

تركز الجماعات الإسلامية أنشطتها الخيرية على المناطق التي تكون مظنة لدعاية تتم رسملتها لاحقا في قادم المواسم الانتخابية وليس بالقرى القصية مخزون بشري يجعل منها قبلة لهذا الشكل من “أفعال الخير ” !!!!!

إننا جميعنا مسؤولون عما وقع في سيليبابي مسؤولية مباشرة أو مسؤولية تقصيرية فالكثير منا يصل ليله بنهاره لبث الفرقة بين المسلمين وتكفير هذه الجماعة وتلك في حين تنشط المنظمات التنصيرية في قرانا وأريافنا ونحن غافون نلهو بهذا الشعار وذاك ونوظف الجهد الذهني لاستدرار أموال من هنا وهناك بعناوين الدين ثم ننفقها لتلميع فلان وملء خزائن هذه الجمعية أو تلك…….
إن الدولة تقوى بسيادة القانون والقانون حين يكون يصبح هو السلطة والغرب الذي جرم مجرد إنكار حدث تاريخي يقول بحدوث “إبادة لليهود” فتوقفت حرية الجميع أمام حائطه ليس في موقع يسمح له أن يطالبنا بحرية تهدد كياننا وهويتنا الدينية والثقافية وإن فعل فجوابنا أن يبدأ بنفسه ثم يعود إلينا فننظر……!!

مقالات ذات صلة