افتتاحية “مجلة الشعب” الشهرية فاتح اغسطس 2021

اصدرت الوكالة الموريتانية للأنباء اليوم فاتح اغسطس  عدد مجلة” الشعب”  التي دأبت على اصدارها مع اطلالة رأس كل شهر منذ ازيد من سنة .

ويتميز عددها اليوم الحافل بالمواضيع الهامة مع  تخليد الذكرى الثانية لتنصيب فخامة  رئيس الجمهورية السيد محمد  ولد الشيخ الغزواني .

فكتب المدير العام للوكالة :

” سنتان مرت على تنصيب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.. سنتان من عمر دولة مضى على استقلالها نيف وستون سنة.. سنتان من تاريخ امتدّ قرونا وعرف كيانات كانت دائما إرهاصات لميلاد أمة على هذه الأرض المعطاء.

لم يكن قيام إمبراطورية غانا و فتح المرابطين و تأسيس الإمارات و الإمامات (الماميات) وصولا إلى حركات المقاومة ضد الغزو الأجنبي، إلا مخاضا طويلا لميلاد أمة تجسد بنشوء دولة حديثة هي الجمهورية الإسلامية الموريتانية التي نالت استقلالها غداة الثامن والعشرين من نوفمبر سنة 1960.

لكنهما سنتان اثنتان من مأمورية مدتها خمس سنوات فقط.. وهو ما يحتم علينا الانتباه إلى أن الوقت يمر ويمر بسرعة غير آبهٍ بالإكراهات الجمة التي، شئنا أم أبينا، لابد أن تؤثر على وتيرة حركتنا.. وطبعا فإن ذلك يقتضي منا وقفة لتقييم المسار، للتمكن من توجيهه الوجهة الصحيحة ومن ثم إعطائه دفعة قوية وفقا لديناميكية التغيير التي انطلقت مع فاتح أغسطس 2019 حين تسلم فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني مقاليد السلطة..

فنهج الإجماع الوطني الذي تمثل في الانفتاح على كافة الفرقاء السياسيين والفاعلين الاجتماعيين وهيئات المجتمع المدني، أصبح يميز الحكامة الجديدة المبنية على تكريس الثقة المتبادلة التي يطبعها الاحترام بين كل الفرقاء.. ويشكل التشاور الشامل المفتوح، فرصة سانحة لكل مكونات الطيف الوطني لتدارس قضايا من شأن التفاهم حولها أن يعزز جو الاستقرار والانسجام، من أجل التأثير الإيجابي الملموس على نمط الحكامة الرشيدة الذي يليق ببلد ينشد التقدم والازدهار ويحرص على مشاركة كل مواطنيه دون تمييز ولا إقصاء في عملية البناء الوطني الشامل.

لقد عرفت السنتان المنصرمتان من المأمورية، رغم الإكراهات العديدة، عملا ميدانيا جادا، مكن من إحياء روح التعاضد والتعاون والإخاء.. فكان للتآزر مكان بارز في معركة تحسين ظروف المواطنين المتعففين و الأكثر حاجة، سعيا إلى تمكينهم من أخذ زمام المبادرة للخروج من وضعية المحتاج إلى وضعية المنتج الذي يغني نفسه ويساهم بذلك في حركة الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي، فتغير مفهوم محاربة الفقر ليحل محله مفهوم التمكين والإنتاج ..

لقد جعلت القيادة الجديدة من تخليق الحياة السياسية و مؤازرة المواطنين المتعففين وإنصاف أصحاب المظالم، أولى أولوياتها إدراكا منها أن الحكامة الرشيدة لا تأتي في جو متوتر يسوده الغبن والشعور بالظلم والحيف..

وبخصوص إشكالية الأمن، فرغم ما تحيكه أيادٍ معروفة وتسوقه متخفية وراء وسائط التواصل الاجتماعي، يحق لنا أن نحمد الله على ما أنعم به علينا من سكينة و هدوء وأمن واستقرار. وبكل تأكيد فإن الواجب يحتم علينا أن نظل يقظين لمواجهة أي طارئ يروم زعزعة أمن البلاد واستقرارها، سيما أن بلادنا جزء من منطقة الساحل التي استوطنتها حركات الإرهاب واستفحلت في ربوعها الجريمة المنظمة. لقد كان فخامة رئيس الجمهورية حازما وصريحا في كلمته الأخيرة بمدينة روصو في هذا الصدد عندما أكد أن لا مساومة على وحدة البلاد وأمنها واستقرارها..

وفيما يعني مواجهة جائحة كوفيد- 19، فلرب ضارة نافعة، لقد علمتنا المحنة كيف نتعامل مع الحالات الطارئة ونتكيف مع الإكراهات الناتجة عنها ونبهتنا إلى هشاشة منظومتنا الصحية و إلى ضرورة التآزر فيما بيننا لتخفيف معاناة بعضنا البعض..

وبفضل صدق وقوة إرادة فخامة رئيس الجمهورية، كانت المعركة ضد الجائحة فرصة لإعادة الثقة بين المواطن والدولة التي برهنت أزمة كوفيد-19، على أنها هي الأم التي يتسع حضنها الدافئ للجميع وهي وحدها القادرة، عندما يشتد الخطب، على توفير الأمن والغذاء والدواء لمواطنيها. لقد علمتنا محنة كوفيد كيف نجسد مبدأ الإخاء الذي هو ثاني قيم الجمهورية الثلاث..

و مما يمكث في الأرض و ينفع الناس،كان ما تحقق من بنى تحتية، ماثلة للعيان؛ طرق مكنت من ربط البلاد بعضها ببعض، وسدود تختزن المياه ليُنتفع بها في الحـــرث والسقي ومرافق عمومية في الأرياف والمدن الكبرى، تمثلت في المستوصفات والمدارس والآبار… ومنه أيضا الضمان الصحي لفائدة أكثر من ستمائة ألف موريتاني متعفف والمساعدات المالية والعينية التي قدمت للتخفيف عن من يعاني من ضنك العيش..

وهكذا تتالى تنفيذ الوعود التي أطلقها فخامة رئيس الجمهورية في «برنامج تعهداتي» واحدا تلو الآخر.. و لأن الجبهة الداخلية تقوت عبر تخليق الحياة السياسية و مؤازرة المواطنين المتعففين وإنصاف أصحاب المظالم، أصبح الانفتاح على الجيران والأصدقاء مناسبا لتعزيز الحضور على الساحة الإقليمية والدولية، بعيدا عن روح المغامرة وأسلوب الهواية والشكل الاستعراضي التي طبعت دبلوماسيتنا في وقت من الأوقات، بل أصبحت المسؤولية والرزانة والاستقلالية في اتخاذ القرار وكذا المساهمة الفعالة في حلحلة الأزمات التي نحن معنيون بها، إن من قريب أو بعيد، هي الموجه الأساسي لبوصلة دبلوماسيتنا بصورة خاصة وسياستنا الخارجية بشكل عام.

لقد استعادت موريتانيا اليوم خصوصيتها ومكانتها؛ مما أسس لمرحلة جديدة يطبعها الإنصاف بدل الإقصاء، والثقة بدل الجفاء والتوجس، والجدية بدل الفولكلورية، والاستقامة بدل الانحراف، والرزانة بدل الصخب و التنابز والتدابر..

ولأن الطموح اليوم هو بناء دولة عصرية تسود فيها الديمقراطية والعدالة والتسامح والحكامة الرشيدة، يتعين علينا تأسيس عقد اجتماعي جديد ومتبصر، لعل التشاور الوطني الشامل فرصة سانحة لبلورة مفاهيمه وخطوطه العريضة.

أخيرا وليس التأخير إلا للتأكيد على الأهمية، لابد أيضا من فرض سلطة القانون على الكل حتى لا يبقى فينا من تسول له نفسه أنه فوق القانون ولابد من فرض سلوك مثالي في الإدارة وفي المرفق العمومي، يعكس قيم الجمهورية ويقود إلى احترام المال العام وأملاك الدولة.

اليوم وبعد انقضاء سنتين اثنتين من مأمورية لخمس سنوات، وقد شرعت الأبواب التي تمكن من استرجاع ما قد سلب، حتى من القيم الفاضلة التي ستظل هي مصدر قوتنا الأول، لنا الحق في أن نطمح لما هو أكثر مما تحقق..

طاقة تتجدد مع الطموحات التي تلهمنا كلما أردنا الصعود.. فنحن اليوم صاعدون..

محمد فال عمير

مقالات ذات صلة