سيداتي بن آبه الفنان والإنسان …/ كتاب من تأليف د. محمد بوعليبه

صدر مؤخرا كتاب بعنوان “سيداتي ولد آبه  الفنان والانسان” للدكتور محمد ولد بوعليبه .

وسعيا من وزارة الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقات مع البرلمان باثراء هذا المنتوج الثقافي تحملت تكاليف طباعة ألف نسخة منه ،وتعاون مع المكتب الموريتاني لترقية الموسيقى على تنظيم حفل تأبين للفقيد تغمده الله برحمته قدم فيه المؤلف عرضا عن محاور الكتاب ، حيث أسهب في عرض نماذج حية بالصوت والنعمة والعزف من حياة رمز من رموز الوطن الخالد ذكرهم …

وتلخيصا لعرض المؤلف لمحاور الكتاب ننشر  في سطور مقتضبة  ما يلي:

“‎احتضنت قاعة قصر المؤتمرات القديم في نواكشوط حفل تأبين أيقونة الفن الموريتاني ..الفنان الذي فتن ساكنة الصحراء المرحوم سداتي بن آبه. وقد ترأس هذا الحفل معالي وزير الثقافة السيد المرابط بن بناهي وبحضور وزير الخارجية والتعاون وجمع غفير من المثقفين والفنانين. وقد تميز الحفل بتقديم للكتاب “سداتي الفنان والإنسان” من طرف مؤلفه الدكتور محمد بن بوعليبة بن الغرابي.

‎وقد طبع هذا الكتاب وهو كتاب من الحجم المتوسط بدعم من وزارة الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقات مع البرلمان.
‎وتناول الباحث فيه محطات حياة المرحوم واصفا مسيرته الفنية ابتداء من وصول أسرته إلي موريتانيا حتى وفاته سنة 2019. وكان المؤلف استشهد عند كل معلومة جاء بها بشاهد من موسيقى الفنان. وقد جمعت تلك الشواد في قرص USB يصحب الكتاب.
‎ينتمي سداتي ولد آبه رحمه الله إلي أسرة من أعرق أسر إيكاون (بكاف معقودة) التي امتهنت الشعر والغناء في بلاد الصحراء ألا وهي أسرة أهل سدوم بن انجرتو (بجيم مشددة)، ولد حسون. وقد ورد نسبها في تقاييد المختار ولد حامدن من أنها من أولاد حسون من قبيلة الشعانبة. قدمت هذه الأسرة من جنوب الجزائر والمغرب عن طريق سجلماسة إلي جنوب موريتانيا الحالية. في أواخر القرن الحادي عشر الهجري أواخر القرن السابع عشر. وقد ولد جد سداتي سدوم سنة 1222 هـ 1710م  ويسمى سدوم بن أعمر بن الطالب بن حسون (وقد كني سدوم بابن أنجرتو نسبة إلى أمه على عادة العرب) ويرى البعض أن أنجرتو هو اسم لمربيته خلال السنوات التي شهدت قيام دولة أهل محمد الزناكي من أولاد امبارك. تربى سدوم في دولة أولاد أمبارك لينتقل بعد ذلك بين إمارات العرب من أولاد لغويزي وإدوعيش وأولاد الناصر ولبراكنة مكرما ومبجلا، فنظم الملاحم مفتخرا بأمجاد ومُثُل هؤلاء عبر التاريخ وليعيش فترة من أهم فتراته بين الأسر الأميرية الإدوعيشية، فينظم أيامها ووقائعها على أديم هذه الأرض.
‎كان دوره مشهودا كما كان دور آبائه وأجداده ودور إيكاون (بكاف معقودة) ــ بشكل عام ـــ في تشكل المجتمع الموريتاني بملامحه المعروفة والمتمثلة في جزء منها في فنه فن التدنيت وشعره اللهجي الحساني. ساهم سداتي كما ساهم جده في توحيد عواطف ومشاعر المجتمع الموريتاني وفي تشكله وتثقيفه كما كان أسلافه وعبر آلة التدنيت ولغن الحساني.

وكان لأحد النوابغ والصالحين تأثير بالغ على تكوين الرجل ألا وهو الشاعر محمد ولد آدبه، وآل آدبه هم مدرسة في التصوف والشعر والأدب، لم يسلم سداتي من تأثيراتها الواضحة طيلة حياته. أتقن سداتي الشعر الحساني على يد والده وعمه سدوم، سدوم الذي لا يضاهى شعره بالحسانية، كما درس فن التدنيت، تيدنيت أهل آبه على يد والده ألفه، وعلى عبد الله ولد همد فال تدنيت أهل همد فال.
‎كان سداتي شاعرا متميزا يقول الشعر دون تكلف وعناء؛ فلقد كانت قصائده توجيها وحثا على الأخلاق الفاضلة، وكان إذا رأى اعوجاجا في المجتمع يقوم بنسج شعر غايته منه إصلاح ذلك الاعوجاج.
‎خرج سداتي مبكرا منذ الخمسينات من القرن الماضي من إطاره المحلي تكانت (بكاف معقودة) التي يصف مواطنه بها بجدارة كما يصف حياته الهنيئة بها، هذا الإطار الذي وصفه برائعته التي ستأتي، ليكون إمام الغناء بالصحراء وفنان موريتانيا كلها وقد كُرست له هذه الألقاب في كل أرجاء الصحراء بشكل أوسع. نلمس ذلك فيما حلي به سداتي من أشعار تلقبه بهذه الألقاب من مثل شاعر موريتانيا. كما لقب بإمام الفن حقا وكان كريما لا يضن بفنه وبماله وملتزما بقضايا مجتمعه وأمته، وقد عبر الكثير من الشعراء عن ذلك في قصائدهم التي كتبت حوله.
‎أما عن إبداعه في لغن فهو القائل:
يمــــحمد تشبــــــاشى كـــــــان كل انهار اعـــلي يمــــــــــتان
لوطانى واعييــــت افلــحـــيان ما نتكلم ماه بالسيــ،ـــــــــــف
من متن التخمام افلوطـــــان ولهل ولــــخوان ولمــعــاريف
كبل اتمشى نظم افمــيدان إفكـــد واظـــــــــهر تـعــريف
كل ابلد ينزل فيه ازمــــــــان كط اعليه اجـبيت افلخــريف
نتمش نســـــــدر فــــــــرحان تحت ول امينك نظـــيـــــف
اشروطو تتخالف للـــــوان ابيظ سابك فاللز اخفيــــــف
نسدر بينات الفـــــــركان بتفاكى مظبوط وظــــــريف
بالغ لحم أشكال الخــرفان بين أهالي مانى ضـــــــــيف
نحجلب ومن الرزق امــــلان ولانى كايل عن كيـفى كيف
نكبظ فالفـــــظه وإمــــــليان والخنط وبانى خيمه جيــــف
وابخلفى واســـلاي امـــــلان ما يوكح من كثرة لغــــريف
غير الشيـــخ الله الإنـــــسان مالو حكم افنفسو واضعــيف
وهذ هـــــــو وكرى فـــوان تنزاهى فخريفى والصــــيف
وإجد اعليك أنى الــى ريت لذ ماهى فيه ألا كـــــــــــيف
أمنــــادم يتكلــم ميــــيــــت فايت عمرو كســــحان أسيف

وانت كاع أنسيت افذ الفات يمحمد رانك شـــــــــــــــيات
إزيدو لشــــواق ابليـــــدات كط اعليهم طــين تعــــــريف
ذاك الدهر وفم اســـبوعات خظناهم ماهو بتجانيــــــــف
كيف الرشيد ولحـــويطات وكلمسى واحسيات اغــريف
ينشربو من كد ابهـــــيكات سلنتاس افمنحر لعطــــــيف
الكاعد شرك امقيــــــمـــمات خاطمهم بشوي اخفـــــــييف
وكيف امناب تــــومـــزدات لكليبات امسادير الصيـــــف
لعوين والكروميــــات والمتروغ ساحل والســــــيف
واقمرصيط وتـــــيشلات لكلي فيــــــــام اتخـاليــــــــف
لبروك وكذ فبليـــــدات عاد الم مطروح اللغـــــــريف
واعل لمناب لخـــتظارات عادو يزهاو  اللمصــــــايـيف
وانسيت الحفره واكلـيتات تلمدين وخلـيت اســــــويـــف
اكدرنيت وناسى تشــــنات ذهو وكرى يا لطيــــــــــــف
اللى ما تمكنلى حــــــياة دونو فالــدهر ولا تعـــــريف
وإجد اعليك انى الى ريــت لذ ماه فـــــــــــيه الا كيـــــف
أمنادم يتكلم ميـــــــــــيت فائت عمرو كسحان أســــــيف

‎لحن سداتي أول نشيد وطني سنة 1960 فأبدع في تلحينه. ساهم سداتي كغيره من الفنانين الوطنيين في بناء قيمنا الحضارية عبر القرون؛ الدينية منها والمعرفية والسلوكية؛ كعزة النفس والشهامة والنخوة. كان  فنانا عظيما طبع حقبة من تاريخنا الحديث فكان أول فنان صحراوي يستخدم القيثارة guitare وقد أفلح في تطوعها لمنظومتنا الموسيقية مكيفا إياها مع انتظارات شعوب الصحراء دون أن تكسر توقعاتها المتشكلة من عناصر حضارتها الضاربة في الأصالة، وقد وردت في هذا الكتاب نماذج من تكييف القيثارة مع لبياظ واللين وبيكي أعظال (بكاف معقودة). ولولا تمكن الفنان من فنه لما كان لعملية التكييف تلك أن تتم ولامَّحت كل العناصر ذات الدلالة على خصوصيتنا الحضارية.
‎ويظهر الباحث في الكتاب التلاقي بين فننا الأصيل  وديننا السمح  فكان هذا الفن ترسيخا للعقيدة من جهة وتطهيرا للنفس عبر المدائح النبوية ومذاهب المتصوفة، كما يظهر أن هذا الفن كان مجالا تلتقي فيه عواطف وأحاسيس كل مكونات شعبنا و كان سداتي حضنا التقت عنده كل تلك المكونات.
‎وقد نال بذلك إعجاب الجميع يظهر ذلك من خلال ما أوردهناه من شعر فصيح ولهجي قيل فيه منذ بداية نبوغه في خمسينيات القرن الماضي وخلال مسيرته الفنية وبعد وفاته.
‎وقبل أن يبدأ المؤلف عرضه المؤثر لكتابه تناول الكلام السيد أحمد بن آبه أصالة عن الأسرة فشكر المؤلف لسعة معرفته ونزاهته الفكرية التي أظهرها من خلال تأليه لهذا الكتاب ذي القيمة الهامة.
‎ومن جهته قام الدكتور الشيخ سيدي عبد الله المكلف بمهمة بالوزارة بإلقاء خطاب باسم الوزير فأشاد بعمل المؤلف وأكد دعم الوزارة وتثمينها لخدمة تراثنا الغني وتخليد وجوه ثقافتنا الوطنية.

مقالات ذات صلة