الرئيس السابق بين مطرقة شرطة الجرائم وسندان تقرير لجنة البرلمان…
نواكشوط 20 اغسطس 2020 ( الهدهد .م .ص)
أوقفت شرطة الجرائم الاقتصادية، يوم الاثنين الماضي، الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز للتحقيق معه في إطار ملف تقرير لجنة التحقيق البرلمانية حيث إن “هناك شكوكا قويّة في تورّطه في قضايا فساد”، كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر أمني.
هذا التطور جاء بعد أسبوع واحد من إعلان النيابة العامّة عن تسلّمها، ممثلة في قطب مكافحة الفساد، لتقرير لجنة التحقيق البرلمانية متعهدة بالقيام بتحقيق “مهني ومحايد” فيما ورد في التقرير.
دق على جرس السياسة..
بعد نحو 8 أشهر من حسم الصراع حول “المرجعية” لم يسجل للرئيس السابق حضور إعلامي أو سياسي، وكان يتابع تطورات التحقيق في ملفاته فترته في الحكم بصمت مطبق، وحتى تسليم اللجنة البرلمانية تقريرها النهائي للبرلمان، وإحالته للعدالة، لم يحدث أن سجل ولد عبدالعزيز أي موقف يذكر.
لكن مع بداية التحقيق الابتدائي على مستوى شرطة الجرائم الاقتصادية، التي مسكت على نحو سريع خيطا يقود إلى “لب الموضوع”، فبدأت بتوقيف مقربين للرجل، واستجوبت الابنة وزوجها، عند تلك اللحظة بالضبط تحرك ولد عبدالعزيز، وبدأ أسبوعا حافلا بالنشاطات السياسية، حيث عقد العديد من الاجتماعات في منزله بمسؤولين سابقين انضموا لأحد الأحزاب قبل إغلاقه من طرف وزارة الداخلية. كما زار حزبا آخر وأعلن عن مؤتمر صحفي ونشر مقرّبون منه بيانا قبل أن ينفوا صحّته لاحقا.
الدق على جرس السياسية، في الوقت بدل الضائع، رأى فيه كثيرون محاولة لصرف النظر على “لب الموضوع”، الذي بدا أنه ليس ماليا فقط، بل هناك أبعاد أمنية لم تتكشف تفاصيلها بعد، وتتعلق بمحاولة ولد عبدالعزيز القيام بما يراه الأمن “تهديدا للأمن” في البلاد.
فساد بحجم “الإنجازات”
لعل الكلمة الأكثر ترددا على لسان أنصار ولد عبدالعزيز، خلال 11 عاما قضاها رئيسا للبلاد، هي “إنجازات” محمد ولد عبد العزيز”، الذي حكم البلاد بين عامي 2008 و2019 وكان ضمن الدائرة الضيقة للسلطة منذ العام 2005، يواجه تهما بالفساد بناء على تقرير لجنة التحقيق البرلمانية التي حقّقت في عشر صفقات تمت في عهده ووجدت أن في 8 منها مخالفات ترقى إلى مستوى جرائم الفساد حسب القانون الموريتاني. هذا علاوة على اتهامه في التفريط في الأراضي الوطنية بسبب تقديمه عرضا بمنح جزيرة موريتانية لأحد القادة العرب.
هذه التهمة الأخيرة يبدو أن البرلمان اختار جعلها من بين مشمولات الخيانة العظمى التي تختص بها محكمة العدل السامية التي صادق على قانونها نهاية الشهر الماضي وينتظر أن تشكل خلال الدورة المقبلة.
في حين أحال البرلمان إلى وزير العدل القضايا المتعلقة بالرشوة والامتيازات غير المبرّرة في مجال الصفقات العمومية اختلاس الممتلكات العمومية؛ أخذ فوائد بصفة غير قانونية وغيرها من الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الفساد وغيره من القوانين الموريتانية. وهي جرائم قد تصل العقوبة-في حال الإدانة- إلى حدود 20 سنة سجنا علاوة على مصادرة الممتلكات، حسب النصوص القانونية.
فشل المهمة الأولى .. بعد الرئاسة
تعود ولد عبدالعزيز حتى قبل وصوله سدة الحكم، في انقلاب عسكري فجر 6 أغسطس 2008، أن يكون جزءا أساسيا من صناعة القرار في موريتانيا، وذلك ما مكنه من أن يكون في قلب الانقلاب الذي أطاح بالرئيس الأسبق، معاوية ولد الطايع.
وحين سلم السلطة للرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، أراد ولد عبد العزيز أن يظل جزء من عملية صنع القرار في البلد، حتى بعد “تسليمه” السلطة لخلفه المنتخب. وقد اندفع في ذلك عندما حاول “وضع اليد” على الحزب الحاكم وأغلبيته البرلمانية في نوفمبر الماضي وفشل في ذلك بعد عقد الحزب لمؤتمره العام وانتخاب قيادة جديدة تدين بالولاء-حصرا- للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
لكنه لم يسلّم بذلك الواقع وعقد مؤتمرا صحفيا أطلق فيه العديد من المواقف السلبية من الحزب والنظام الجديد متحديا بفتح تحقيق بشأن فترة حكمه وهو ما كان من خلال التحقيق البرلماني الذي تحوّل إلى تحقيق قضائي.
قضية ولد عبد العزيز، اليوم، ستحسم من خلال سيناريوهات من أبرزها:
السيناريو القضائي:
استمرار المسطرة القضائية الاعتيادية وهو ما يعني احتمال دخوله السجن ولمدة طويلة وقد تختار له السلطات سجنا نائيا حفاظا على الهدوء والسكينة العامّة وهو ما حصل مع العديد من رؤساء موريتانيا في السابق الذين كانوا في حالة اعتقال بعد الانقلاب العسكرية. وهو سيناريو تدعمه بعض المؤشرات من بينها الضغط الشعبي والسياسي بضرورة إطلاق يد القضاء وعدم تدخل السلطة التنفيذية في القضية وهو ما تم خلال التحقيق البرلماني. كما أن الرئيس أكد في تصريح شهير أن لا “تسامح مع الفساد ولا مع المفسدين”.
سيناريو التسوية:
وذلك من خلال التوصل إلى حل وسط يجنّب الرئيس السابق الزجّ به في السّجن مقابل إعادة الأموال أو بعضها والخروج من الحياة السياسية نهائيا. وهو سيناريو قد يكون محبّذا لدى بعض الأطراف الخارجية لتكون وسيطا بين الرجل والنظام. وهو سيناريو وإن كانت المؤشرات الحالية لا تدلّ على الاتجاه إليه إلا أنّ حرص النظام الحالي على التهدئة قد يؤدي إليه وقد يكون ذلك بعد انتهاء مراحل التقاضي أو بعضها. والتسوية هي الآن مسار متّبع في بعض الدول مع المسؤولين السابقين المتهمين بالفساد وهو ما حصل في مصر ويتم الحديث عنه في تونس.
سيناريو القضاء – التسوية
وهو ما يعني أن تأخذ الإجراءات القضائية مجراها الطبيعي، تحقيقا وحكما، خاصة أن هناك دوائر في السلطة وفي المعارضة أيضا للمفارقة، تعتقد بأن الرئيس السابق لا يتعامل كثيرا بلغة “النوايا الحسنة”، ولذلك لابد من إضعاف موقفه من خلال الإدانة أولا، ويرى كثيرون أن مؤشرات متوافرة رغم أن القضاء لم يقل بعد كلمته النهائية.
يعني هذا السيناريو، في حالة حدوثه، استمرار المسار القضائي على نهاية مطافه، والبداية الفعلية فيما يترتب عليه، ثم لاحقا ينظر في الحلول الممكنة، وهي ستعني على الأقل نهاية سياسية محققة للرئيس السابق، بفعل الإدانة القضائية، وكسر هيبة الرجل القوي. والأخيرة ظلت جزءا من مشروعية عزيز السياسية باعتباره رجلا قويا لا يجرأ أحد على اعتراض سبيله، وأنه قادر على مواجهة الصعوبات.
ومهما يكن فإن دخول الرئيس السابق إدارة الأمن الوطني، عصر الإثنين الماضي، يشكل مرحلة جديدة في سياسة هذا البلد، بصرف عن أي نتائج محتملة لهذا الإجراء غير المسبوق.
اللجنة البرلمانية