شذرات من حياة العالم عبدى الحسن محمد الصغير …/ بقلم يمهل عبدي الحسن

كيفه 24يوليو 2020 ( الهدهد .م .ص)

شذرات مضيئة من حياة عالم ورع وحافظ للقرٱن الكريم  متقن لتجويده ورسمه وضبطه بخط يعجز  التعبير عن وصف جماله للمشاهد والمتلقي …

لقد كرس حياته في مقتبل عمره ساعيا لجمع العلم بدءا بحفظ القرٱن الكريم والسير النبوية المطهرة ، مرورا بالفقه اصوله وفروعه وانتهاء باللغة نحوها وصرفها ومنطقها وبيانها وهو بذلك أفنى عمره في طلب العلم وبثه في صدور الرجال.

إنه الوالد عبدي الحسن بن محمد الصغير بن أحمد بن محمد الصغير بن انباب بن الصغير بن بوكسه بن الحاج محمد أحمد من أمه مريم بنت عبدي بن أحمد معلوم بن الطالب سيد عبيدة بن عبد الرحمن بن الحاج محمد أحمد.
ولد في ثلاثينات القرن الماضي أي حوالي 1934م في منطقة اركيبه بولاية لعصابة في بيئة علم وورع ، حيث كان أبوه محمد الصغير عالما و جده لأبيه أحمد عالما و كان خاله محمد بن عبدي حافظا مجيدا للقرآن ماهرا به ،إذن عاش الوالد في هذا المحيط العلمي في أحضان والدته مريم بنت عبدي المعروفة بشدة العزم و رباطة الجأش وقوة الشخصية، حيث توفي عنه والده مازال صبيا فدفعت به مع أخيه الأكبر أحمد وهما مازالا صغيرين إلى المحظرة ، فتداولتهما المحاظر بدءا بمحظرة ابن عمه محمد الأمين بن الأجداد مرورا بمحظرة أهل سيد يحي وانتهاء بمحظرة عبد الرحمن بن سيد عال فنهل من معين معارفها وتضلع من علومها فحفظ القرآن مازال في سن مبكرة ودرس علومه وحصل على الإجازة في القرآن ثم درس أغلب العلوم المتداولة في المحاظر آنذاك من فقه و أصول و عقيدة و نحو .. وكان سريع البديهة و الفطنة قوي الحافظة حفظ الكثير من أشعار العرب و أنسابها و تاريخها القديم مثل المعلقات العشر كان بارعا في شرحها ثم ربطها بالوقائع التاريخية سردا و تفصيلا.

و حفظ من الشعر الحديث الكثير وبعض شعر الجيل الأول من الشعراء الموريتانيين من أمثال ولد رازكه ومحمد ولد محمدي و سيدي محمد ولد  الشيخ سيديا و محمد بن الطلبه اليعقوبي وغيرهم…
كان يحفظ من المتون الكثير ففي الأنساب كان يحدث عنها و يوصل الفروع بالأصول وكان يزوره الطلاب و المهتمين لينقلوا عنه مالذ وطاب من العلوم والمعارف.
و في اللغة و النحو و الصرف و البيان كان لا يشق له غبار يستحضرني أنه ما راجعنا درسا من دروس المدرسة بجانبه إلا وشرح و قوم و بين وجاء بشهود و أدلة تزيد عن حاجتنا غزارة و فيضا.
و باختصار حاول الوالد ببديهته و فطرته و طموحه أن يأخذ من كل علم بطرقه الخاصة قاعدته في ذلك :
تعلم من كل علم لتبلغ الأملا * ولا يكن لك علم واحد شغلا
فنهل من ما كان متداولا في المحاظر آنذاك فكرس حياته كلها للتعلم و التعليم فلم يشتغل بشيء يلهيه عن العلم و التعليم؛ دفعه حب التطلع إلى دخول المدرسة الفرنسية بكيفه وما إن علمت والدته مربم بذلك حتى جن جنونها و أرغمته على الخروج منها على عادة الموريتانيين آنذاك كرها للمستعمر و ثقافته ،لكن لم يمنعه ذلك من تعلم مبادئ الفرنسية و معرفة مابه التعامل منها .
لذلك فهو على العكس من نظرائه ليس ذلك الشخص المتقوقع على نفسه والذي ينظر إلى الحياة نظرة ضيقة بل يتسم بالانفتاح على ما يجري في العالم من حوله محليا ودوليا عن طريق متابعة الإذاعات و غيرها من
و سائل الإعلام المتاحة وبالتالي فهو مخضرم -إن صح التعبير- بين الأصالة المتمثلة في كل ماهوقديم و المعاصرة المتمثلة في كل ماهو جديد.
لقد شارك يومئذ في مسابقة فكان من الأوائل فيها و لما علم أنها للقضاء تنازل عنها تورعا لما للقضاء من مسؤوليات جسام .
ومرة أخرى أخذ من بين علماء موفودين إلى ليبيا للتدريس و القضاء بإشارة من زميل له و لما عرف رفضها ليختار أن يعلم و يتعلم في و طنه بين أهله و محيطه.
سخر نفسه للتدريس فلم يخل يوما من الأيام إلا وطلبة العلم حافين به ينهلون من معارفه أينما حل أو ارتحل.

فدرس عليه خلق كثير من جميع القبائل ومن مختلف الأعراق و الأجناس لا يتسع المقام لحصره وممن تخرج على يده ابن عمه الصحفي الشهير الشريف بونا، و كذلك محمد بن أحمد طالب و غيرهم كثير… وكان -رحمه الله-يدرس بالإضافة إلى القرآن الفقه و النحو.

وكانت محظرته جامعة مسجلة لدى وزارة التوجيه الإسلامي و التعليم الأصلي وذات يوم جاءت بعثة تفتيشية للمحظرة وطلب منه أحد أعضاء البعثة أن يكتب له ثمنا من القرآن يراه صعبا مع ضبطه ليختبر جودة حفظه و عندما شرع في الكتابة انهال عليه احدهم بالأسئلة التي يحتاج الرد عليها إلى تركيز فلم يثنه ذلك عن الكتابة و كانت إجاباته على الأسئلة دقيقة فتعجب الحضور من ذلك فعلق أحدهم سبحان الله كأن ما كتب أوراق من مصحف لم ينس أي ضبط فرد الوالد عليه هذا ننجز أكثر منه في أي حال و بأي هيئة .
أعرفه يملي لطلبة المحظرة وليسوا قلة و أغلبهم أطفالا كل واحد يسأل بكلمة واحدة أو شطرها ليكتب الذي يليها فيجيب كل واحد بدون أن يختلط ذلك عليه.
عرف رحمه الله بالتواضع و التسامح وفي الأحكام و النوازل التي تصله كان و سطيا ميسرا فيها لا معسرا وكان يميل إلى فقه النوازل فيعرف الحال و الحيثيات و المآلات ليسقط الحكم وينزله .
يحب الجميع و يتمنى الخير للجميع و يسعى من أجله بشوشا خلوقا يميل إلى الأريحية؛ عذب المجلس يختار أطاييب الأحاديث فلا يمل جليسه.
كان مع أولاده نعم الأب رحيما عطوفا حنونا ممازحا فجزاه الله عنا خير الجزاء.
وباختصار شديد كان الوالد رحمه الله مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”
أرجو الله تبارك و تعالى أن ينال تلك الخيرية و أن يشفع فيه القرآن الذي سخر له حياته دراسة و تدريسا و أن يديم ذكره و يعظم أجره و أن ينفعنا ببركته و يغفر لنا و له و أن يجعله في أعلى عليين مع النبيئين و الصديقين والشهداء يا أكرم الأكرمين.

بقلم : الأستاذ يمهل عبدي الحسن

مقالات ذات صلة