المدرسة الجمهورية ثمرة مداد كاتب أضحى ينهض بها وزيرا…/ باباه ولد التراد
إن الإيمان العميق بأي قضية يؤدي عادة إلى التماهي معها و التضحية من أجلها
وتأكيدا لذلك فلا غرو إذا كان وزير التهذيب الوطني المختار ولد داهي الذي كتب في وقت مبكر سلسلة مقالات يطالب فيها باعتماد المدرسة الجمهورية ،
قد سحب بالفعل أبناءه من المدارس الخصوصية وسجلهم في المدرسة الجمهورية،
وهذا هو أقوى تشجيع وأصدق تعبير عن مستوى الإيمان بالمدرسة الجمهورية ، ليكون بذلك قدوة ومثالا يحتذى لزملائه ونظرائه في المناصب السامية، فضلا عن بقية أفراد الشعب.
ولا شك أن النمط القيادي الأنجع هو النمط الذي يعتمد على القيادة بالقدوة،
وقد قال الفيلسوف اليوناني أرسطو: “الرجل الأكبر في السلطة عليه أن يكون الأكبر في الفضيلة”.
وقديما قيل: ” إذا أردت أن تكون إماميًا فكن أماميًا”.
.
ولهذا تحتاج الأمم في فترات ضمور العطاء أن تسجل بشرف أي فعل مؤثر لتراكم عليه كإمكان وكأفق ، لذلك فإن الشعوب الحية تكتب تاريخ أبنائها وتعترف بعطائهم وبجميلهم ،حقا مكتسبا ونكاية للعدو ، وتشجيعا لميزة التضحية والقدرة على توظيف المواهب خدمة للوطن والجماهير.
وبذلك يتأكد أن من ينزع إلى الفعل في مستقبل يتشاركه مع شعبه ليساهم في تنمية الطاقات وخلقها لا عجب إذا كان متمردا على ثقافة اللاجدوى ، النخبوية الشكلانية عند المثقف التقليدي المتنائي المتفرد الذي يجرّد المعرفة من كل إبداع منصف ، خلافا للمثقف العضو الذي ينحاز للشعب ويتبنى قضاياه كلها ويسعى لتحقيق جميع أهداف مكونات وشرائح الوطن .
مثل ما دأب عليه الوزير المختار ولد داهي خلال العقدين الماضيين حين تناول في كتاباته معالجة أغلبية قضايا الوطن ، وخاصة مشاكل التعليم وانعكاساتها سلبا أو إيجابا على الوحدةالوطنية.
فقد نشر الكاتب المختار ولد داهي سنة 2016 – قبل أن ترى المدرسة الجمهورية النور – مقالا تحت عنوان:(المَدْرَسَةُ الجُمْهُورِيًةُ” عِمَادُ ” دَوْلَةِ المُوَاطَنَة) جاء فيه “…والإجماع منعقد عالميا بأن المدرسة الجمهورية هي عماد المواطنة من أقامها أخذ بأسباب قيام دولة المواطنة أحسن قيام و من ضيعها فقد هيأ أساب التجاذب و الفتن العرقية و الشرائحية والمناطقية …” .
ولتشبثه بفكرة المدرسة الجمهورية وإيمنه بأنها السبيل الوحيد لتقوية الوحدة الوطنية بعد اعتمادها دثارا وشعارا للنسيج الاجتماعي ، قام الكاتب الوزير بتحيين وعرض مقاله السابق على المترشحين لمقعد الرئاسة سنة 2019 وطالبهم فيه بأن يلتزم كل واحد منهم التزاما غليظا بشأن المدرسة الجمهورية وذلك بقوله :
” .. بما أن المدرسة صورة مصغرة للوطن فإن العديد من الخبراء والاستشرافيين يعتقدون أنه إذا استمر حال المدرسة الموريتانية على ما هو عليه اليوم من نقص التعدد والتنوع وتغول العرقية والشرائحية والطبقية فإن ذلك سيُسَرِعُ حدوث تصدعات خطيرة في الوحدة الوطنية التي هي وحدة الأعراق والجهات والشرائح على قاعدة وأساس الوطن المشترك.!!
هذه الأفكار كتبتها فى شكل مقال منذ ثلاث سنين خلت قرأتها ابتغاء تحيينها فما وجدت فيها قابلا للتحيين إلا الاقتراح الذى أحوره بمطالبة المترشحين للمقعد الرئاسي بتعهد كل منهم -حالَ انتخابه- بتشكيل لجنة وطنيةخلال الشهر الأول الذى يلى يوم التنصيب
(….) ويعهد لهذه اللجنةبإعداد “كتاب أبيض (…) (..)يقترح بصدق التصحيحات بخصوص واقع ومستقبل المدرسة الجمهورية ببلادنا ؛ تلك التصحيحات التى يجب أن يلتزم الرئيس المنتخب -التزاما غليظا- بتنفيذها و متابعتها..”.
والواقع أن الكتابات والعناوين البارزة التي خصصها هذا الكاتب للمدرسة الجمهورية والقضايا الوطنية عموما يصعب حصرها ، بل هي “غيض من فيض”.
لذلك فقد صدر سنة 2016 عن دار النشر المغربية “أبي رقراق” كتابا تحت عنوان: ” موريتانيا التي لا تغرب عنها شمس المِرَاءِ السِيًاسِيِ” ، للمؤلف والكاتب المختار ولد داهي.
و قد قَدًمَ الكتابَ للقراء الوزير السابق الدكتور عبد الله ولد سليمان ولد الشيخ سيديا.
و هذا الكتاب يزيد علي خمسين مقالا تقع في 300 صفحة من الحجم المتوسط.
إضافة إلى ذلك فإن صفحة كتاب موريتانيا التي تضم نخبة من الكتاب في موقع “موريتانيا الآن” قد تجاوزت فيها مقالات الكاتب المختار ولد داهي 180 مقالا وطنيا ، وهو ما يعبر عن غزارة الإنتاج ، والاستعداد للتضحية من أجل الوطن ذهنيا وفكريا.
ومع أن هذا الدور المتميز للكاتب الوزير المختار ولد داهي قد شرفنا كثيرا ، فإننا نرى في تعيينه على وزارة التهذيب الوطني، وإشرافه من خلالها على المدرسة الجمهورية التي ظل يبشر بجدوائيتها تقديرا واهتماما بالمفكرين والكتاب وآرائهم ،
وهذا يزيدنا قناعة أن دور الكتاب والمثقفين لا يمكن أن ترتقي بدونه إلى المجد أي دولة أو شعب .
لذلك فإننا سنظل بلا شك نتقاسم مع الوزير المختار ولد داهي كافة هموم الوطن وخصوصا ذلك الجانب المتعلق بالمدرسة الجمهورية ، التي أضحى هذا الوزير ينهض بأعبائها ويتنقل بين ميادينها ، معلنا النفير داخل وزارته ، من أجل أن يتحقق لها النجاح على أحسن وجه.
غير أننا نرى أن قضية المدرسة الجمهورية لا يمكن أن تتعزز قناعة جميع المواطنين بها على الوجه المطلوب إلا إذا قررت وزارة التهذيب أن تتوجه إلى الكتاب والمثقفين وكافة القوى الحية في المجتمع لتستعين بهم من أجل التأكيد على أهمية الدور الإيجابي العلمي والتنموي والوطني الذي ستلعبه المدرسة الجمهورية.
وبما أن علماء التربية يرون أن المعارف التي يتلقاها الطفل بلغته الأم تكون أسهل تحصيلا وأعمق أثرا من المعارف التي يلقاها بلغة مازال في طور تعلمها ، فإننا نخشى أن يكون العدول عن اللغة الأم ، والتمكين للغة الأجنبية التي لا يستوعبها التلميذ إلا بتوفير مصاريف دروس التقوية التي يعجز عنها الآباء تماما، أهم عامل في عدم قدرة التلاميذ علي فهم المادة العلمية و ما يترتب على ذلك من عدم النجاح والتسيب ، ويكون هذا في النهاية سببا غير مباشر في إقصاء أبناء الطبقات الهشة.
ومع ذلك فستظل المدرسة الجمهورية مكسبا استراتيجيا، له ما بعده ، حتى ولو نظر إليها البعض على أنها قد تؤخر مساره ،
ولكن إحدى المأثورات السابقة تقول: ” يكفي أن يكون في الصفّ الأمامي قلة قليلة من الرجال الأوفياء ليستقيم من عوج وتطمئن البقية على سلامة المسار” .