رأي : الدولة نحن… ونحن الدولة../ د . المصطفى افاتي

 

 

,  ابريل 2020 ( الهدهد .م.ص)

في مفهوم فقهاء القانون لتعريف الدولة والعناصر المكونة لها فإن الشعب هو أحد الأركان الأساسية لقيام الدولة لأنه لايمكن تصور دولة بدون شعب، وليس هذا ما أقصد لأن هذه المفاهيم متعارف عليها ومتجاوزة.

لكن منذ تأسيس الدول بدأت الشعوب مرحلة جديدة وهي مرحلة التنظيم في إطار جامع عام وكذلك التنظيمات الداخلية التى يتم في إطارها تربية الشعب تربية فكرية وسياسية ومدنية يصل من خلالها إلى مستوى معين من الوعي السياسي يستطيع معه ممارسة دوره الفعال في تغيير واقعه الثقافي والسياسي وألإجتماعي والمدني، والبدء بمرحلة جديدة من ألإبداع الفكري يشارك فيه الشعب في صنع القرار والتناسق مع مؤسسات الدولة، ويصبح دستور الدولة تعبيرا للعنوان الفكري للشعب بالشكل الذى يؤمن للمجتمع المستوى ألائق بكيانه في كل مرحلة يصل إليها أثناء مسيرته.
أحيانا أتساءل عن المستوى الذي يجب أن يصل إليه الشعب لكي يصبح ناضجا، وهل مسيرة البناء لها سقف محدد أم أن بناء المجتمعات والدول يتم على مراحل منفصلة وليست متسلسلة ومتصلة حسب ألأحداث والتجارب التى تمر بها.
لا يختلف إثنان على أن كل تجربة أوحدث هام يمر به الشعب والدولة هو مجال للإختبار والتأمل ليس للدولة بل للمجتمع، فإن كان النصر فهو للشعب وإن كانت الهزيمة فهي أيضا عنوان للشعب، لذلك عندما يريد القائد أن يتخذ قرارا كبيرا حاسما، متعلقا بسيادة البلد الداخلية أو الخارجية، يتوجه إلى شعبه مخاطبا إياه:
أيها الشعب العظيم، أيها الشعب الأبي- أيها الشعب العزيز…….
صحيح أن التاريخ لايحفظ إلا أسماء القادة لكن الجنود هم من يحسم المعركة ويصنع النصر.
عندما ظهرت أزمة كورونا العالمية، بدأت دول العالم أستعداداتها لمواجهة الجانحة، مستخدمة كل الوسائل المتاحة، وبحث رؤساء الدول عن مركز وأسباب القوة التي هي الشعب. لذلك يعتبر التناسق والتناغم بين القائد والشعب أهم سلاح للنصر والبناء ومنه تستمد الدولة قوتها.
لقد أشرت في مقال سابق تحت عنوان : موريتانيا دولة قوية…..ضوء في نهاية النفق، إلى ضرورة التفاهم والتناغم بين ألأسلحة الثلاثة التى إستخدمناها لإتخاذ ألإجراءات الإستباقية لأزمة كورونا في بدايتها و التى مكنتنا من التصدي لبداية إنتشار الفيروس في حين كانت الدول المحيطة بنا جميعا في مرحلة متقدمة من ألإصابات، وحددت تلك الأسلحة في ثلاثة:
– الرؤية المستنيرة لقائد البلد
– حزم الحكومة وصرامتها وتماسكها
– والمسؤولية التى تحلى بها الشعب
وأشرت إلى أن الحرب ماتزال متواصلة، وأن تخفيف الإجراءات ألإحترازية لايعنى نهايتها ولا التخلي عن الأسلحة الثلاثة. وختمت بالقول بأن التفريط في ألإجراءات الثلاثة سيعيدنا للمربع الأول لا قدر الله.
الآن وقد ظهرت حالات متزايدة من المرض وقد تزداد في الأيام القادمة فإنه لزاما علينا جميعا أن نجرد عن سواعد الجد.
من واجب السلطات وقادت البلد أن يتخذوا ألإجراءات الضرورية، لكن من واجبنا مواطنين وشعبا إحترام هذه الإجراءات والتقيد بها. علينا أن نفهم أن ألأمر متعلق بنا أولا وآخيرا.
فقد أضطرت جارتنا الجزائر أن تغلق الأسواق أسبوعا واحد بعد فتحها بسبب عدم إلتزام المواطنين. فثقافة الشعب وإلتزامه وإستعداده شرط أساسي وبئة مناسبة للتصدى للأزمات.
إننا لسنا في حرب ضد الدولة، بل من واجبنا مشاركتها في إيجاد الحلول وتطبيقها، فتلاقي الإجراءات الحكومية الفعالة مع الحاضنة الثقافية المجتمعية الداعمة والمساندة هي الرهان الوحيد للنصر في هذه الحرب. إن أزمة كورونا الصحية تنضاف إلى التحديات والرهانات الكبرى التى على أساسها منحنا ثقتنا للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
لقد ضرب الشعب الصيني مثالا نموذجيا حين إستجاب الناس لتقديم كل المعلومات الضرورية التى تمكن من تعقب المصابين بالفيروس والتبليغ عنهم، فالقيمة المجتمعية يجب أن تقدم على القيمة الفردية، فالتعاضد والتعاون بين المجتمع وسلطات البلد هو الذي سيجنب البلد مخاطر الإنزلاق إلى الهاوية.
إن إبقاء الحكومة على تخفيف الإجراءات وفتح ألأسواق أمر مهم وإيجابي سيجنبنا تدمير عجلة ألإقتصاد، لكن من الضروري أن توفر الدولة الكمامات بشكل كبير عند مداخل الأسواق ومراقبة إحترام الإجراءات.
وعلينا كمواطنين إحترام الإجراءات وحث بعضنا البعض على ذلك والمشاركة في نشر الوعي في ألأسواق والشوارع ووسائل النقل والمساجد والقرى وألأرياف وعلى صفحاتنا ألإفتراضية ….فالدولة نحن ونحن الدولة.
إن هذا الوطن الذى لاوطن لنا غيره يستحق جمع جهودنا في جو ملؤه الوطنية والعدالة والتضحية والمساواة والإنصاف والتعاضد و في ذلك فليتنافس المتنافسون.

حفظ الله بلادنا آمنة مستقرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً