اطلاق قافلة حقوقية من مدينة النعمة

أطلقت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان اليوم الأربعاء من مدينة النعمة قافلة حقوقية ستجوب مختلف المقاطعات الموريتانية للقيام بعملية مسح شامل للوضعية الحقوقية في البلاد. وقد حضرت السلطات الإدارية والعسكرية والقضائية في ولاية الحوض الشرقي وبعض المنتخبين و المهتمين بالشأن الحقوقي حفل انطلاقة القافلة الذي بدأ بكلمة ترحيبية لعمدة النعمة تلتها كلمة الافتتاح الرسمي لأعمال القافلة ألقاها رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الأستاذ احمد سالم ولد بوحبيني وهذا نصها: في البَدْءِ، بعد بسم الله والصلاةِ على المشفع، يجدر التنبيه، بغية التعريف، إلى أن اللجنة الوطنية لحقوق الانسان مؤسسة دستورية ذات صفة استشارية لدى الحكومة والبرلمان في مجال حماية وترقية حقوق الانسان، كما أنها تمثل إطارا وطنيا للتشاور بين الأجهزة المعنية بحقوق الانسان والمنظمات غير الحكومية المهتمة. ولعله من الأهمية بمكان أن نوضح أن اللجنة تستقبل شكاوى الضحايا المفترضين لانتهاكات حقوق الانسان، وتعمل على إيجاد الحلول المناسبة لمشاكلهم. كما تقوم بالزيارات المفاجئة لمؤسسات السجون وأماكن الحراسة النظرية من أجل التأكد من احترام حرمة وحقوق الأشخاص الموقوفين. وجدير بنا في هذا الصدد أن نذكّر بأن اللجنة تساهم، بكل الوسائل المناسبة، في نشر وتجذير ثقافة حقوق الانسان، وتعمل سنويا على نشر تقرير شامل حول وضعية حقوق الانسان في البلد. بعد هذا التعريف الموجز، لا يسعنا إلا التذكير بأن ما نقوم به اليوم هو تدشين حملة تعبوية شاملة تسعى إلى نشر المعطيات المتعلقة بحقوق الإنسان والتحسيس بها والتثقيف حولها. وإننا نستهل هذه الحملة بالتأكيد على أن العبودية (وهي أفظع أشكال انتهاكات حقوق الانسان) يجب أن يتم تجاوزها إلى الأبد. بمعنى أنه آن لنا أن نطويَّ صفحة العبودية لغير رجعة: بمعالجة الحالات الموجودة بالفعل، وبتجاوز ما أخضِع منها للمبالغات. وقد حان الوقت للتأكيد بأن دولة المواطنة التي نصبو إليها لن تقوم لها قائمة ما دام أي فرد موريتاني يعاني من أي شكل من أشكال الرق. وإن اللجنة الوطنية لحقوق الانسان، بصفتها الدستورية المذكورة آنفا، هي المعني الأول بهذه الإشكالية التي ستتبناها وتمسك زمام أمورها من خلال التوعية والتعبئة والوقوف على الحالات الموجودة. وإن لدى اللجنة، بمناسبة هذه القافلة، مجموعة رسائل توجهها للمعنيين بها كل على حدة: الرسالة الأولى: مفادها أن أي شخص يحاول، من الآن فصاعدًا، أن يُبقي مواطنا مثله تحت نير العبودية لا يلومَنَّ إلا نفسه، فالإرادة السياسية للدولة الموريتانية، والهيئات الرسمية المكلفة بحقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني الحقوقي، لم تعد تقبل التسامح مع هذه الظاهرة المشينة والمعيقة لبناء دولة القانون. وإن اللجنة ستوضح لكل موريتاني، من خلال حملتها الحالية، وحملاتها اللاحقة، ترسانة القوانين والمواثيق التي تجعل ممارسي الرق يرتكبون جريمة ضد الإنسانية تعرضهم لعقوبات شديدة لا فِكاكَ منها. وإن علينا اليوم أن نقوم بالنبش في الجيوب والشعاب والوديان لنقول لكل من يقبل أو يُكرَه على أن يكون في وضع المسترَق أنه حر، يملك كل الحقوق التي يتمتع بها غيرُه، ويحرم على أي كان أن يستعبده لأن القوانين واضحة بهذا الصدد، والمحاكم المختصة موجودة لحمايته، والدولة أنشأت وفعّلت الأجهزة الكفيلة بإخماد نار هذه الظاهرة المقيتة. وبالتالي، فإن الدولة فعلت ما عليها فعله.. ولم يبق إلا أن تتضافر جهود كل الأطراف فتعمل معًا في جو من الانسجام بدل العمل في فضاء من التنافر.. فذلك هو الضامن الكفيل بنجاح المسعى.. لقد تغير الوضع، إذ لم نعد في مرحلة النضال الحقوقي الذي أعطى ثماره في فترته. بل أصبحنا في فترة العمل الحقوقي. وأفضل طريقة يتم بها العمل الحقوقي هي القيام به يدا في يد. الرسالة الثانية: تكمن في أن ما ذكرناه آنفا لا يمكن أن يتحقق إلا بمواكبة الإدارة والقضاة والدرك والشرطة من أجل تفعيل النصوص كي لا تبقى حبرا على ورق. وهنا نرى من المناسب أن نلاحظ، بارتياح كبير، مدى تحمس السلطات واستعدادها الذي عبرت عنه بوجودها معنا في مستهل انطلاق هذه الحملة ومصاحبتها لهذا العمل بكل جدية. فوجودُها واستعدادُها وحماسُها مهم لأن الترسانة القانونية لا تكفي، بل لابد من تطبيق صارم للقوانين من قبل السلطات، لأنه يتوجب على هذه الماكنة التي وضعتها الدولة لمعالجة الرق، بصفة واضحة وصريحة، أن تطبق وأن تكون قابلة للتطبيق. الرسالة الثالثة: تتضمن أهمية المجتمع المدني الذي لا غنى عنه للقيام بهذه المهمة صفا واحدا مع اللجنة والسلطات الإدارية. وجدير بنا، في هذا المقام، أن نتقدم إلى ممثلي المنظمات الحقوقية بتشكراتنا الخالصة على المشاركة معنا في حملة حقوق الانسان على اعتبار أنهم يمثلون منظمات عتيدة عملت في مجال الدفاع عن حقوق الانسان منذ زمن بعيد. ولا شك أنها ساهمت، من زاويتها، في ما حصل من تقدم في هذا المضمار. الرسالة الرابعة: مؤداها أن المنظومة الدولية لا يستقيم هذا الأمر من دون مواكبتها له، وهو ما لمسناه في مشاركة مفوضية غوث اللاجئين في هذه القافلة. وإنها لفرصة سانحة تتقدم من خلالها اللجنة بخالص تشكراتها لشركائها الأجانب، خاصة منظمة الأمم المتحدة، والمفوضية السامية لغوث اللاجئين، والاتحاد الأوربي، والتعاون الإسباني، والتعاون الفرنسي. وإننا إذ نشكر المنظومة الدولية، نقول لها، ودون أدنى عقدة، أن موريتانيا مصممة على مكافحة العبودية، وأن الرق ليس أحدَ المحاذير أبدا، وإن كان كذلك فإنه لم يَعُدْ. إذ لا توجد جهة تحاول اليوم أن تعتّم على هذه الظاهرة، بل إن الاتجاه العام ينحو إلى الإصرار الحقيقي على طي صفحتها نهائيا، ومعالجة الحالات المتبقية منها بشكل سليم يضمن إنصاف المتضررين. وإننا لنشيد بالدينامية الجديدة التي يعتمدها المجتمع الدولي والمتمثلة في أنه لم يأتِ ليقدم الدروس، وإنما يأتي للمؤازرة وتقديم العون. ومجمل القول أن عملنا، كإدارة وكهيئات مختصة وكمنظمات وكمواطنين، يجب أن يتم من خلال رؤية جديدة قِوامها التلاقي والتوحد ورص الصفوف والتشاور، بعيدا عما اتسم به ملف حقوق الانسان، خلال كل العقود الفارطة، من تناحر وتنافر وتطاحن. والحقيقة أنه لم يعد هناك أي داع لتكون الحكومةُ طائفةً تقف وراء أسوار التمنع والتعنت، ويكون الحقوقيون طائفةً تقف وراء أسوار الاحتجاج والتحدي. إن من مصلحة الجميع أن يعملوا متراصّين للقضاء على هذه المعضلة، ولا مصلحة لأي كان في المحافظة على هذا المشكل المُجَرَّم قانونيا، والمعيق للتقدم، والخطير على السلم المدني والانسجام الاجتماعي. ومهما يكن، فإن اللجنة مع المواطنين، وفي خدمة المواطنين، من أجل غد أفضل، والمناخ العام مبشر بآفاق رحبة ومستقبل واعد. وعلى بركة الله تنطلق قافلة حقوق الإنسان الموريتاني الكريم. هذا ويشارك في القافلة الأولي من نوعها في تاريخ موريتانيا ممثلون عن عدد من المنظمات والنشطاء الحقوقيين من مختلف المشارب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً